نور الدين
عدد المساهمات : 49 تاريخ التسجيل : 10/12/2009
| موضوع: عائد إلى يافا .. محمود درويش السبت ديسمبر 19, 2009 6:19 pm | |
| عائد إلى يافا
هو الآن يرحل عنا ويسكن يافا و يعرفها حجرا حجرا و لا شيء يشبهه و الأغاني تقّلده.. تقلد موعده الأخضرا. هو الآن يعلن صورته_ و الصنوبر ينمو على مشنقة هو الآن يعلن قصّته_ و الحرائق تنمو على زنبقة هو الآن يرحل عنا ليسكن يافا و نحن بعيدون عنه. و يافا حقائب منسية في مطار و نحن بعيدون عنه. لنا صور في جيوب النساء. و في صفحات الجرائد، نعلن قصّتنا كل يوم لنكسب خصلة ريح وقبلة نار. و نحن بعيدون عنه، نهيب به أن يسير إلى حتفه.. نحن نكتب عنه بلاغا فصيحا و شعرا حديثا و نمضي.. لنطرح أحزاننا في مقاهي الرصيف و نحتجّ: ليس لنا في المدينة دار. و نحن بعيدون عنه، نعانق قاتله في الجنازة، نسرق من جرحة القطن حتى نلمع أوسمة الصبر و الانتظار هو الآن يخرج منا كما تخرج الأرض من ليلة ماطره و ينهمر الدم منه و ينهمر الحبر منّا. و ماذا نقول له؟- تسقط الذاكرة على خنجر؟ و المساء بعيد عن الناصرة ! هو الآن يمضي إليه قنابل أو.. برتقاله و لا يعرف الحدّ بين الجريمة حين تصير حقوقا و بين العدالة و ليس يصدّق شيئا و ليس يكذب شيئا. هو الآن يمضي.. و يتركنا كي نعارض حينا و نقبل حينا . هو الآن يمضي شهيدا و يتركنا لاجئينا! و نام و لم يلتجيء للخيام و لم يلتجيء للموانيء و لم يتكلّم و لم يتعّلم و ما كان لاجيء هي الأرض لاجئة في جراحة و عاد بها . لا تقولوا: أبانا الذي في السموات قولوا: أخانا الذي أخذ الأرض منا و عاد.. هو الآن يعدم و الآن يسكن يافا و يعرفها حجرا.. حجرا و لا شيء يشبهه و الأغاني تقلّده. تقلد موعده الأخضرا لترتفع الآن أذرعة اللاجئين رياحا.. رياحا لتنشر الآن أسماؤهم جراحا.. جراحا. لتنفجر الآن أجسادهم صباحا.. صباحا. لتكتشف الأرض عنوانها و نكتشف الأرض فينا. | |
|