منتدى التّجلي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى للإِبداع الفكري و الأدبي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» سيرة ذاتية للكاتب / طارق فايز العجاوى
كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Emptyالسبت مارس 31, 2012 6:19 am من طرف طارق فايز العجاوى

» معلقة زهير بن أبي سلمى
كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Emptyالأحد ديسمبر 18, 2011 6:28 am من طرف علي شموط

» معلقة زهير بن أبي سلمى
كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Emptyالأحد ديسمبر 18, 2011 6:26 am من طرف علي شموط

» الأضحية وأحكامها
كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Emptyالثلاثاء ديسمبر 13, 2011 6:37 am من طرف علي شموط

» أمي كذبت علي ثمان مرات
كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Emptyالثلاثاء ديسمبر 13, 2011 6:33 am من طرف علي شموط

» برنامج الكرة بملعبك الأكثر شعبية
كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 11:58 pm من طرف ابن البحر

» عصام الشوّالي، أشهر المعلقين الرياضيين العرب
كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 11:13 pm من طرف organizer

» حقوق الانسان في ظل الاسلام
كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 11:07 pm من طرف organizer

» تأبين الرّواية العربيّة في مؤتمرها- نقلاً عن صحيفة: أخبار الأدب
كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 4:13 pm من طرف Admin

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
منتدى
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني

 

 كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 123
تاريخ التسجيل : 06/12/2009

كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Empty
مُساهمةموضوع: كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل   كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل Emptyالأربعاء يناير 05, 2011 4:42 pm

النص للشمس سبعة ألوان
قراءة فى تجربة أدبية
بقلم: محمد جبريل
الطبعة الأولى
كتاب الجمهورية ـ يونيو 2009م.
هذا الكتاب حصيلة شهادات ، كتبتُها فى مناسبات مختلفة حول التجربة الإبداعية فى حياتى . كتبت فى فترات متباعدة ، وإن كان محورها نظرتى إلى العملية الإبداعية من خلال الأعمال التى أتيح لى كتابتها ، أو ما يمكن تسميته " تجربتى الأدبية " [ نشرت شهادتى عن " الأسوار " فى كتاب " قراءة فى أدب محمد جبريل الذى نشر عام 1984 ، فهى أول ما كتبت عن تجربتى الأدبية ] . قد تبدو كل شهادة مستقلة فى ذاتها ، وقد يتكرر الرأى الواحد ـ وربما الواقعة الواحدة ـ فى أكثر من شهادة ، لكن مجموع الشهادات يمكن أن يقدم للقارئ صورة كلية لآراء الكاتب فى العملية الإبداعية ، من خلال محاولة الإجابة على العديد من الأسئلة التى تشغل الكاتب ، وتشغل قارئه فى آن معاً
أردت بهذا الكتاب ، أو بهذه المجموعة من المقالات التى تتناول وجهة نظرى فى قضايا الأدب والفن ، أن أفسر بعض الأمور ، مستعيناً فى توضيح ما أقول ، بما صدر لى من أعمال إبداعية ، فضلاً عن إبداعات الآخرين ، والشهادات التى تتوافق مع وجهات نظرى ، أو تختلف معها ، محصّلة لقراءات إيجابية فى الكثير من كتب النقد الأدبى والدراسات الأدبية ، والسير الذاتية للأدباء . لم تشغلنى فلسفة الكاتب ولا اتجاهه الأيديولوجى أو الفنى . ما شغلنى فحسب هو الرأى الذى أوافق عليه ، أو أختلف معه ، فأناقشه . ربما أميل إلى رأى يصدر عن كاتب ماركسى الأيديولوجية ، وأختلف مع رأى يصدر عن كاتب يؤمن باليقين الدينى ، لا لأنى أومن بالماركسية ، أو لأنى كاتب غير متدين ، وإنما لأن الرأى المحدد يخاطب قناعاتى ، بصرف النظر عن السياق الذى اقتطعته منه . هذه الكلمات أقنعتنى ذاتها ، فلا شأن لى بهوية كاتبها ، ولا ببحر الكلمات الذى كانت تسبح فيه ..
قد يلحظ القارئ إطالة فى بعض الفقرات ، واختصاراً فى فقرات أخرى ، أو مجرد الإشارة إلى ما كان يستحق الإفاضة .. لكن ملاحظتى ـ كقارئ ـ أن طول مساحة القضايا التى تثيرها المقالات ، أو قصرها ، أو غيابها أحياناً ، لأنها تكمل بعضها البعض . فوجهة النظر المستفيضة فى مقال ، أكتفى بالإشارة إليها ، أو أهملها ، فى المقالات الأخرى ..
هذه المقالات ، تشكل ـ فى مجموعها ـ وجهات نظر واضحة ، محددة ، من قضايا العملية الإبداعية فى أبعادها المختلفة . ثمة رأى أن المبدع هو ـ فى الأغلب ـ أسوأ من يستطيع الحديث عن إبداعه . لكن هذه المقالات تتسم بالعمومية لا بالتخصيص ، تتحدث عن العملية الإبداعية فى عمومها ، وتشير إلى نماذج للكثير من المبدعين ، وحسبت نفسى واحداً منهم . وإذا كنت قد أفدت من آراء الآخرين لتأكيد آرائى ، أو للتدليل عليها ، فليس معنى ذلك أنى أتحاشى المؤاخذة ، أو أحاول نفى نسبة تلك الآراء لنفسى على أى نحو ، ولا حتى لاقتناعى بتلك الآراء . إنها آراء ووجهات نظر أومن بها ، أدعمها ـ هل هذا هو التعبير الأدق ؟ ـ بآراء ووجهات نظر أخرى لكتاب عرب أو أجانب ، بصرف النظر ـ كما أشرت ـ عن انتماءاتهم الأيديولوجية ، أو التيارات الفنية التى يدعون إليها ، أو يعبرون عنها . ما وجدت فيه مرآة لآرائى ، نقلته باعتباره كذلك ، وما اختلفت معه ، عرضته للمناقشة والتحليل واختلاف الرأى ..
والحق أنى ترددت فى نشر هذه المقالات ، إدراكاً منى بأنه ينقصها ما يمكن إضافته .. لكن الكمال مطلب يصعب على المرء ـ ويصعب على كاتب هذه السطور بخاصة ـ أن يبلغه . من هنا ، جاوزت التردد إلى نشر المقالات ، فهى ـ فى المحصلة النهائية ـ تعبير عن آراء ووجهات نظر فى العملية الإبداعية . ربما أضيف إليها فى مقالات تالية [ وقد أضفت بالفعل أسماء روايات وشخصيات من أعمال تلت كتابة هذه المقالات ، ونشرها فى الدوريات المختلفة ] ، وقد أجرى بالحذف والتبديل ، لكن يقينى بالملامح المهمة فيها لم يتبدل منذ أصبحت الكتابة ـ بالنسبة لى ـ قضية حياة .
أخيراً ، فلعله يجدر بى أن أشير إلى أن أنى تناولت قضايا تتصل بمادة هذا الكتاب فى كتب أخرى : مصر فى قصص كتابها المعاصرين ، نجيب محفوظ ـ صداقة جيلين ، آباء الستينيات ، مصر المكان ، مصر : من يريدها بسوء ، مصر الأسماء والأمثال والتعبيرات ، قراءة فى شخصيات مصرية ، حكايات عن جزيرة فاروس ، وغيرها .
وأملى أن أكون قد وفقت ،
محمد جبريل ـ مصر الجديدة 16/2/2008م.
فهرست
..........

1 ـ مقدمة
2 ـ الأسوار
3 ـ ملاحظات فى فن الرواية
4 ـ ماذا يريد الكاتب ؟
5 ـ دلالات الكتابة
6 ـ كلام عن الحرية
7 ـ المثقف والمجتمع والسلطة
8 ـ التجريب فى القصة الحديثة .. جذوره التراثية
9 ـ الإضافة فى الفن
10 ـ الفن إضمار .. ولكن ..
11 ـ الواقع .. والخيال
12 ـ الواقعية السحرية
13 ـ الحداثة .. وما بعدها
14 ـ القصة تكتب نفسها
15 ـ الفن : هل هو للتسلية ؟
16 ـ دلالة الحكاية بين شهرزاد وزهرة الصباح
17 ـ التراث .. لماذا نستلهم منه قصصنا ؟
18 ـ القــراءة
19 ـ القارئ .. والكاتب
20 ـ الصحافة .. والأدب

كتبتُ هنا

الأســــــــــــــوار
.....................

ـ 1 ـ
على الرغم من اختلافى مع أرنولد بنيت فى رأيه ، بأن أساس الرواية الجديدة هو " خلق الشخصيات ، ولا شئ سوى ذلك " ، فلعلى أتفق تماماً على أن خلق الشخصيات دعامة أساسية فى بناء الرواية ، الذى يستند ـ بالضرورة ـ إلى دعامات أخرى ، أقواها ـ أو هذا هو المفروض ـ " الحدوتة " ، وإن تصور بعض الذين اقتحموا عالم الرواية الجديدة ، نقاداً أو أدباء ـ أن الرواية ليست فى حاجة إليها ، وأن ما يستعين به الفنان من أدوات ، يضع الحدوتة فى مرتبة تالية ، أو أنه يمكن الاستغناء عنها إطلاقاً ..
وفى تقديرى ، أن الحدوتة هى " النطفة " التى يتخلق بها العمل الإبداعى . وأذكر أنى حين عرضت ـ للمرة الأولى فى القاهرة ـ مسرحية بيكيت " لعبة النهاية " أن إعجاب النقاد تركز على خلوها من الحدوتة . وكان ذلك ـ فى تقديرهم ـ هو " الجديد فى الرواية الجديدة " . كانت القاهرة تعانى ـ كعادتها ـ غربة حقيقية عن الواقع الثقافى المتجدد فى الحياة الأوروبية . وكانت القلة تسافر وتشاهد وتقرأ ، والكثرة تنتظر ما يفد ـ متأخراً ـ وتقف منه ـ فى كل الأحوال ـ موقف الإعجاب . ولعلنا نذكر ما فعله الكاتب الساخر أحمد رجب ، حين طلب آراء عدد من كبار مثقفينا فى مسرحية من تأليفه على أنها لدورينمات . وتبارى مثقفونا فى إبراز الجوانب المتفوقة فى المسرحية المزعومة . وكتب الحكيم يا طالع الشجرة ومصير صرصار تأكيداً لريادته المتطورة .. وظواهر أخرى كثيرة ..
أقول : حين عرضت لعبة النهاية ، وتركز إعجاب النقاد على خلوها من الحدوتة ، كان لأستاذنا نجيب محفوظ رأى آخر . ونشرت معه حواراً فى جريدة " المساء " ملخصه أن العمل الفنى بلا حكاية ، بلا حدوتة ، يصعب ـ مهما يتسم بالجدة ـ أن يسمى عملاً فنياً ، لأنه ـ حينئذ ـ يفتقد أهم مقوماته ، واستطاع ـ فى الحوار ـ أن يروى الحدوتة ، الدعامة التى استند إليها بناء المسرحية .
الحكاية ـ كما يقول فورستر ـ هى العمود الفقرى . ويقول هيربرت جولد : إن كاتب القصة يجب أن تكون له بالفعل قصة يحكيها ، فلا يقتصر الأمر على مجرد نثر جميل يكتبه . وقيل إن الرواية " فن درامى يقوم على أساس الحدث " . ولعلى أذكر قول تشيكوف : إن الكاتب لا يكتب قصة قصة قصيرة إلا عندما يريد التعبير عن فكرة . حتى ألان روب جرييه يؤكد أن الروائى الحقيقى هو الذى يعرف كيف يقص الحكاية . وفى مقدمة يا طالع الشجرة ـ ذات الشكل السوريالى ـ كتب الحكيم : " المسرحية لا بد أن تحمل معنى . ولا يكفى فيها المعنى الداخل فى ذات تشكيلها . ربما استطاع الشعر ـ خصوصاً السوريالى والدادى ـ أن يحمل معنى وجوده فى ذات صياغته ، ولكن المسرحية ، وكذلك القصة ، لابد أن تقول شيئاً " ..
الحدوتة إذن هى الدعامة الأولى فى بناء أى عمل فنى ، ثم تأتى بقية الدعامات ، وفى مقدمتها محاولة الإفادة من العناصر والمقومات فى وسائل الفنون الأخرى ، كالفلاش باك والتقطيع فى السينما ، والهارمونى فى الموسيقا ، والتبقيع فى الفن التشكيلى ، والحوار فى المسرحية إلخ . وكما يقول هنرى جيمس فإن الفكرة والشكل هما الإبرة والخيط ، ولم أسمع بعد ـ والكلام لهنرى جيمس ـ عن نقابة للخياطين أوصت باستعمال الخيط دون الإبرة .
ولقد كانت الحدوتة ، الحكاية ، الفكرة ، التيمة ، الحدث ـ سمها ما شئت ـ هى الباعث الحقيقى لأن تتحول الأسوار فى ذهنى ـ قبل كتابتها بأعوام ـ إلى أحداث ومواقف وشخصيات . ثم تتخلق فى أشكال هلامية عدة ، قبل أن تأخذ ـ فى طريقها إلى المطبعة ـ سماتها النهائية ..
فماذا كانت " الحدوتة " التى أملت كتابة الأسوار ؟
ـ 2 ـ
إن السؤال الذى ربما يلح على بعض المتصدين للعمل الوطنى ، دفاعاً عن حق الجماهير فى حياة آمنة ، هو : هل يعى هؤلاء الذين بذلت الحياة لنصرة قضاياهم قيمة ما أفعل ؟.. وهو سؤال يحمل السذاجة والانتهازية فى آن معاً ، ذلك لأنه يعامل مصير الجماعة بمنظور شخصى بحت ، ويناقش الأمور بمنطق المكسب والخسارة .
الإنسان صاحب القضية يختلف عن الإنسان العادى فى أنه يبذل كل شئ ، حتى النفس ، من أجل نصرة ما يرى أنه حق ، ومن أجل دفع ما يرى أنه ظلم . بل لعله يعلم يقيناً أن ثمرة الانتصار لن تصل بحال إلى يده ، بل إن مصيره أقرب إلى الموت . مع ذلك ، فإنه لا يتقاعس عن نصرة الاتجاه الذى يؤمن به . وكما تقول نتاليا بطلة تورجنيف الشهيرة : إن الذى يسعى إلى غاية جليلة يجب أن ينقطع عن التفكير فى نفسه . ربما المنطق العادى يحمّل المسيح مسئولية صلبه ، فقد كان أدرى الناس بصورة المأساة المقبلة ، ويحمّل الحسين مسئولية استشهاده ، فهل يقوى سبعون على محاربة سبعين ألفاً ، ويحمّل جيفارا مسئولية اغتياله فى أحراش بوليفيا ، فهو الذى كان كان يعلم جيداً بتلمس المخابرات الأمريكية لخطواته . لكن الخطأ فى طرح القضية بهذه الصورة ، ذلك لأن " المناضل " يؤمن بعدالة القضية وقداستها حتى على النصر ذاته ، وبالتالى على الهزيمة له ولأتباعه ، والتى قد تصل إلى التصفية الجسدية . كان الأستاذ فى الأسوار يعلم بالمصير الذى ينتظره فى نهاية النفق ، مثلما كان جيفارا يثق أن المخابرات الأمريكية تترصد له حتى تغتاله ، منذ اختار سبيل تصدير الثورة إلى خارج كوبا " مرحباً بالموت مادامت يد ثورية تمتد لتقبض على أسلحتنا من بعدنا " ، ومثلما كان الليندى ينتظر الاغتيال نهاية لإصراره على البقاء وحيداً ، وأعزل ، فى وجه القوات التى اقتحمت قصره ، ومثلما كان الحسين يعلم باستشهاده وهو يقود فرسانه القلائل من الحجاز إلى العراق . وعلى حد تعبير المستشرق الألمانى حاربين ، فإن " حركة الحسين فى خروجه على يزيد ، إنما كانت عزمة قلب كبير ، عز عليه الإذعان ، وعز عليه النصر العاجل ، فخرج بأهله وذويه ذلك الخروج الذى يبلغ به النصر الآجل بعد موته ، ويحيى به قضية مخذولة ليس لها بغير ذلك حياة " . ويروى عن الإمام على قوله : لا تزيدنى كثرة الناس حولى عزة ، ولا تفرقهم عنى وحشة ، وما أكره الموت على الحق . كان الحسين يمتلك اليقين . وكان أعوانه الاثنان والسبعون يمتلكون اليقين نفسه ، بأن المعركة التى اتجهوا إليها صباح العاشر من محرم ، ستنتهى باستشهادهم ، لكن الدافع لم يكن مجرد الرغبة فى الاستشهاد ، فى الموت . كان الدافع هو التعبير عن رفض القهر والظلم ، حتى لو كان المقابل لذلك هو الموت . سقط كل جند الحسين شهداء ، فظل يواصل القتال بمفرده . حمل على جند الكوفة حتى شق صفوفهم بجرأة مذهلة ، ثم سقط بضربة سيف فى العنق . وأمر عبيد الله بن زياد ، فمثل بجسد الحسين ، وترك جثمانه للجوارح . أما الرأس ، فقد، فقد دفن ـ فيما بعد ـ فى كربلاء ، وإن ظلت أعداد كبيرة من المصريين تؤمن بأن رأس الإمام الشهيد مدفون فى جامعه بالقاهرة ..
وأغلب ظنى أن مصطفى كامل كان سيتخلى عن مبادراته الوطنية ، لو أنه عانق اليأس الذى فرضه التصور بأن الشعب المصرى يتقاعس عن التحرك وراءه ، نشداناً لحريته . عاب مصطفى كامل ـ فى لحظات سخط ـ على الأمة أنها " لا تسعى للوصول إلى هذا المرام السامى ، وإلى تحقيق أمنيتها . بل تريد أن تأتيها الحرية وهى نائمة ، فتوقظها من نومها " . وهو يقول فى رسالة إلى صديق : " ها أنا ذا أنتظر من يتبعنى ، وأظن الأيام والليالى تمر ، ولا يتبعنى غير الهواء " . ويقول فى رسالة أخرى : " إنى عالم بأنى لا أستطيع الاعتماد على أحد من أبناء جنسى ، وإنى إذا صودرت يوماً بأية طريقة كانت ، لا أجد من أمتى عضداً أو نصيراً ، وهذا ما يحزننى كثيراً . فإنى مع ارتياحى للمهمة التى عرضت نفسى للقيام بها ، والغرض الشريف الذى أعمل له ، أرى غيرى من الذين أحب التشبه بهم ، كفرانكلين وغيره ، كان يعمل ووراءه أمة تعزز مطالبه ، وتدافع عنه ، بعكس ما أنا فيه " . ويقول فى رسالة : " دعنى بالله عليك من هذه الأمة التى بلانى الله بأن أكون واحداً من أبنائها " إلخ [ لا تنشغل بتذكر مقولاته المعلنة مثل قوله إنه لو لم يولد مصرياً ، لتمنى أن يكون مصرياً ! ] . لكن الزعيم أدرك ـ فيما بعد ـ أن انتفاضات الشعب لا تتحقق يخطب تشتعل حماسة ، فالتحرك الجماعى يستند إلى التوعية أولاً ، فالإعداد والتنظيم ، فضلاً عن دعامة الوقت التى تضع لكل خطوة توقيتها وحسابها . والحقيقة التاريخية تضغط على أن صلب المسيح هو الدعامة التى تماسك عليها إيمان أتباعه بخلود رسالته وتواصلها . كذلك فقد كان استشهاد الحسين بداية طريق طويلة من الثورات المتلاحقة ضد السلطة الظالمة ، أياً تكن . وكان مقتل جيفارا دافعاً للمزيد من الحركات الثورية فى أمريكا اللاتينية . ولا يخلو من دلالة قول سلفادور الليندى ـ
قبل دقائق من اغتياله ـ بأيدى قوات الانقلابيين ـ " إنى موقن أن تضحيتى لن تذهب هباء ، وأنها ستكون على الأقل درساً معنوياً لعقاب الغدر والخيانة والجبن " . فماذا أقول عن الخديعة التى استلبت أستاذ الأسوار من وسط أتباعه ، لتودى به إلى المصير المؤلم ؟
كان محمد بن إبراهيم الحسينى العلوى يمشى فى بعض طرق الكوفة ، فنظر إلى عجوز تتبع أحمال الطرب ، تلتقط ما يسقط منها ، وتضعه فى كسائها الرث . فلما سألها عما تصنع بذلك ، قالت : إنى امرأة لا رجل لى يقوم بمؤنتى ، ولى بنات لا يعدن على أنفسهن بشىء ، فأنا أتتبع هذا من الطريق ، وأتقوته أنا وولدى . فبكى محمد بطاء شديداً ، وقال : أنت وأشباهك تخرجونى غداً حتى يسفك تماماً . وفجر محمد بن إبراهيم الحسينى العلوى ثورته العظيمة التى استمرت فترة طويلة ، وتعاقب عليها ـ بعد استشهاده ـ العديد من الثوار ، وامتدت إلى العراق والشام والجزيرة واليمن . ومع أن الصوفى لا يعنيه إن كان مجتمعه يعانى عسف حكامه ، أو أوضاعاً اقتصادية سيئة ، ذلك لأن فلسفة التصوف تكمن فى فناء العاشق فى المعشوق ، العبد الفقير الفانى فى الخالق الأعظم الباقى بعد فناء الأرض ومن عليها ، ثم فى الاعتزال التام لحياة البشر ، والانكفاء على الذات والمجهول من الأسرار ، وتفحص المخلوقات نشداناً لروح الخالق .. مع ذلك ، فإن أبا منصور الحلاج رفض أن يغض بصره عن الظلم الرهيب الذى كان يعانيه مجتمعه فى حكم العباسيين ، فنزل إلى الأسواق ، يبصّر الناس ـ بالرمز ـ بحقيقة أوضاعهم ، ويحثهم على أن يدافعوا عن حقوقهم ، ويثوروا على ظلم الحاكم ، فقبض عليه الحاكم ، وشهد ضده أقرب رفاقه ـ الإمام الشبلى ـ فاتهمه بالزندقة ، وحكم عليه بالصلب على جذع شجرة ، تطل على شاطئ الكرخ ببغداد . وبالمثل ، فلم تكن ثورة الحسين طلباً للسلطة بقدر ما كانت محاولة لاستعادة الحق الذى طال احتجابه على يدى يزيد بن معاوية . وكانت الأهداف التى ناضل من أجلها الحسين ، تمثل المصالح العريضة للجماهير الكادحة . وحين خرج على معاوية ، فقد كان موقناً من تأييد هذه الجماهير له ، ومحاربتها إلى جانبه . لكن الظروف الموضوعية لم تكن مواتية لنجاح الثورة . وكان فى مقدمة تلك الظروف غياب الوعى عن الكثرة الغالبة من جماهير المسلمين ، ومن ثم فقد أخفقت الثورة ، وإن ظلت أفكارها فى عقول القلة التى ظلت تتكاثر بما تبدّى فى تلك الثورات المتلاحقة ، والمتكررة ، فى المجتمع الإسلامى . كان مع الحسين ـ فى كربلاء ـ اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ، استشهدوا جميعاً ، وواجه الحسين بمفرده جيش عبد الله بن زياد . مع ذلك فإن مقاتلى ابن زياد هموا بالفرار ، خوفاً من أن يصابوا على يدى الحسين ، ولما صاح فيهم شمّر بن ذى الجوشن : " ويحكم ماذا تنظرون بالرجل ؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم " ! حملوا على الحسين من كل جانب ، وضربه زرعة بن شريك التميمى على يده اليسرى ، فقطعها ، وضربه آخر على عاتقه ، فسقط على وجهه ، وقام ، وسقط ، والرماح والسيوف توالى طعنه ، حتى مات بثلاث وثلاثين طعنة وأربع وثلاثين ضربة ، غير الرمية بالنبل والسهام . وأقدم شمر بن ذى الجوشن على جسد الشهيد ، فذبحه ، واحتز رأسه . لقد أصبح الحسين ـ بعد مأساة كربلاء ـ " سيد الشهداء ، ورمز الإيمان والفداء ، وموضع الحب والتقديم والإكبار " . كذلك فلم يكن فى مغادرة جيفارا لموقعه المتفوق فى كوبا ، وانشغاله بالقتال ضد السلطة الديكتاتورية فى بوليفيا ، تطلعاً لمنصب ، لكنه حمل السلاح دفاعاً عن حق شعب بوليفيا فى حياة خالية من الظلم . رفض أن يشاهد الإنسان الضحية فى حلبة المصارعة ، ويتمنى نجاته . إن عليه أن ينزل الحلبة ، ويشارك الضحية مصيرها ، إما إلى الانتصار أو الموت . كان جيفارا ينتمى إلى عائلة موسرة . وكانت مهنته كطبيب تتيح له حياة اجتماعية طيبة ، لكنه ارتدى " الكاكى " ، واختار الثورة ضد الرداءة حيث توجد . كان بوسع جيفارا أن يطمئن إلى منصبه كوزير للصناعة ، بعد أن أفلحت الثورة الكوبية فى انتزاع النصر ، لكنه فضل أن يواصل النضال فى موقع آخر . تخلى عن كل مناصبه وسلطاته فى كوبا ، وترك أطفاله فى رعاية الثورة الكوبية ، وانطلق ليواصل الثورة فى إفريقية ، ثم فى أمريكيا اللاتينية ، حتى لقى مصرعه فى بوليفيا . وكتب إلى كاسترو ـ قبل أن يسافر إلى أحراش بوليفيا : " إنى لم أحزن لأنى لم أترك لزوجتى وأولادى أى شئ مادى . على أنى مسرور لهذا ، ولا أطلب لهم أى شئ " . وواجه جيفارا لحظة المفاضلة بين الكرامة ونقيضها عند أسره فى بوليفيا . حاول أحد الضباط أن يسخر منه ، فركله جيفارا بقدمه ، بحيث ألقاه بعيداً . وحاول ضابط آخر كبير ـ هو الجنرال هوجاريتشى ـ أن يدفعه إلى الكلام ، فبصق جيفارا فى وجهه . ودفع الثمن ـ بالطبع ـ فى اللحظة التالية : " هذا الشىء القليل الذى نستطيع تقديمه : حياتنا وتضحياتنا " . والمؤكد أن جيفارا كان واعياً بالمصير الذى تقوده إليه خطواته ، وبأن الاستشهاد هو المصير الذى ينتظره فى نهاية الطريق . ورغم معرفته اليقينية بذلك ، فإنه أصر على السير فى الطريق إلى النهاية [ أذكرك بما قاله الحسين وهو فى طريقه إلى كربلاء ] لكنه تطلع إلى تحرير الجماعة بتحريكها ، فإذا استشهد مقابلاً لما يؤمن به ، فإنه سيعطى المثل لمعنى الإيمان بالقضية ، وبالمثل الأعلى ، وللمترددين والمتخاذلين ، بما يتيح الصحو لشعوب طال نومها .
(يتبع)

كتبتُ هنا
لم يكن فى دعوة الأستاذ [ الأسوار ] شبهة غرض شخصى . تحمّل الاشتغال والتعذيب ، وأسلم نفسه إلى الموت دفاعاً عن هؤلاء الذين أحبهم أكثر من نفسه . أما الحسين ، فقد خذله الشيعة الذين استغاثوا به ، وتركوه للمصير المؤلم تحت سنابك خيل الأمويين ، وانطلقت الرصاصة التى قتلت جيفارا من مسدس ضابط بوليفى صغير ، بذل المناضل الأرجنتينى حياته دفاعاً عن حقه فى الحياة . وكان نزلاء المعتقل ـ حلمى عزت بالذات ، ذلك الذى حماه الأستاذ من أذى الآخرين ـ هم الذين دبروا القرعة الظالمة ، ليدفعوا بالأستاذ إلى الشهادة دفاعاً عن الجميع . أسر بكر رضوان [ الأسوار ] إلى نفسه ـ غداة إحدى مرات الإفراج عنه ـ " هؤلاء الناس ـ أبناء الأنفوشى ـ هم محبوبه الذى ضيّع العمر إشفاقاً عليه . فهل كان الحب من طرف واحد ؟ هل تعنى المحبوب اللحظة ، مقطوعة الصلة بما مضى ، وما سيأتى ؟ وهل تعذب القلب لقلوب تجد الراحة فى العذاب ؟.. هذه الكلمات ـ وبكر رضوان يرى أهله وناسه منصرفين عن واقعهم الأليم ، كأنما لم يدفع أعواماً من حياته فى سبيلهم ـ تذكرنا بكلمات الحسين بن على فى حشد الجيش الأموى ، يوم العاشر من المحرم : " تباً لكم أيتها الجماعة وترحاً . حين استصرختمونا والهين ، فأصرخناكم مرجفين . سللتم علينا سيفاً فى إيمانكم ، وحششتم علينا ناراً أوقدناها على عدونا وعدوكم ، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ، وبدا عليهم لأعدائكم ، بغير عدل أفنوه فيكم ، ولا أمل اصبح لكم فيهم ، إلا الحرام من الدنيا أنالوكم ، وخسيس عيش نعمتم فيه " . وكان ما أسره بكر رضوان ، أو ما أعلنه الحسين ، هو الهاجس الذى لابد أنهم خاطبوا به أنفسهم ، أو أعلنوه للجماعة ، هؤلاء الذين بذلوا النفس دفاعاً عما هو حق وصدق وعدالة [ فى زماننا الردئ ، فإن شخصية بكر رضوان تذكرنى بقادة اليسار المصرى الذين أمضوا أجمل سنى حياتهم فى معتقلات عبد الناصر . هتفوا بحياته ، وبشعارات المرحلة ، وهم يلقون أبشع ممارسات التعذيب ، حتى الموت . ظلوا يهتفون لعبد الناصر والثورة والاشتراكية ، وسط الضربات المتلاحقة التى لم تهدأ إلا بعد أن هدأت أنفاسهم ، وماتوا . جاوزوا آلامهم الشخصية ، وجعلوا الوطن قضية ، لا يعدلون بها قضية أخرى . كان عبد الناصر على صواب فيما يدعو إليه ، ويطبقه بالفعل ، فتناسوا العذاب الذى لاقوه بأيدى أعوانه ، وأعلنوا ولاءهم للبسطاء ، وللثورة ، وللغد الذى يعلو فوق العذابات الشخصية !. لو أنهم نظروا إلى المصالح العامة من منظور مصالحهم الشخصية ، مثلما فعل الرأسماليون والإقطاعيون الذين أضيروا بقوانين الثورة ، فلعلهم كانوا الآن هم الأعلى صوتاً ضد عبد الناصر ومعطيات عهده ] . لكن البذل لم يهدر ، والصيحة المخلصة لم تواجه التلاشى فى وادى الصمت . كان الشعور بالإثم هو الدافع لأن يقتل يهوذا نفسه بعد أن أسلم المسيح إلى قاتليه . وهو الدافع أيضاً لأن يزداد أتباع المسيح تمسكاً بتعاليمه . وكان الشعور ذاته هو الذى جعل جيفارا قدوة ومثلاً بين حركات التحرر فى دول العالم الثالث ، وارتسمت حول المناضل الشهيد هالة القداسة والأسطورة . وكان أيضاً هو الشعور الذى ارتقى بالحسينية إلى مرتبة العقيدة . ففى مقدمة النتائج الإيجابية لفاجعة كربلاء ، ولعلها أخطر نتائجها ، أنها دخلت الضمير الإسلامى آنذاك ، وهزته هزاً عنيفاً . حركت فى النفوس ما كان خامداً ، وما ران عليها من استكانة إلى الواقع الذى فرضه الأمويون . تمازج الإعجاب بالوقفة الأسطورية لسبعين مقاتلاً ضد سبعين ألفاً ، بالحرص على الشهادة رغم يسر النجاة ، بإلقاء السؤال الأهم : ماذا بعد ؟ ، بحساب الذات عن التقاعس والتواكل ، بإعادة النظر إلى ما سبق ، وما يجرى حالاً ، والتفكير فى ضرورة التغيير . ولعله يمكن القول إن فاجعة كربلاء ـ رغم بشاعتها ـ كانت ثورة كاملة . أحدثت التأثير الذى تحدثه الثورات فى تحريك النفوس ، وإلحاجها على التغيير ، حتى يتحقق المجتمع الأفضل . تعددت ثورات التوابين ، همها تفريغ ما استشعره الحسينيون من الندم والحقد ، فى حركات ثورة متتالية ضد الحكم الأموى . ثم فيما تلا ذلك من السلطة المستبدة ، أيا تكن صورتها ومظاهرها . وربما كان ذلك هو الشعور نفسه الذى تحرك فى نفوس الزملاء القريبين ، بل كل نزلاء المعتقل ، بعد أن بذل الأستاذ نفسه فى سماحة ، دفاعاً عن حقهم فى الحرية ، وفى الحياة . لم تدفعه الخيانة الواضحة إلى رفض القرعة ، لكنه أسلم النفس إلى جلاديه فى قناعة المؤمن بأن شهادة الفرد قد تكون فداء للجماعة ، وخلاصاً لها . وكما يقول برتراند راسل فإننا حين نعرف النهاية نغدو أقوياء ..
أخيراً ، فإنى أتفق مع جون مورلى فى أن " الأفراد الذين يرون الضوء ـ وهم بطبيعة الحال الأفراد المثقفون ـ إذا أحجموا عن احتمال ما عليهم من تبعة ، فإنهم يضاعفون العلل الأخلاقية فى المجتمع . وهم لا يحرمون المجتمع من مزايا التغيير فحسب ، بل من يرون شعوره بالحاجة إلى التغيير ضعفاً ، وإيقاظ الإحساس الأخلاقى فى المجتمع من العوامل الهامة فى تقدمه [ المثقف الذى أعنيه ، هو الذى يملك استعداداً للتضحية بصالحه الشخصى من أجل صالح الجماعة ، لا يكتفى بترديد الشعارات عن الديمقراطية وإنكار الذات ، وإنما يحرص على تطبيق تلك الشعارات بالفعل ] . ولعل السبب المباشر فى انحطاط كثير من المجتمعات ، يرجع إلى ما يطرأ على الضمائر من الفساد وضعف الإحساس الأخلاقى . ولم يصب الضعف والتخلف الإغريق لنقص علمهم بالمذاهب الأخلاقية ، وإنما أصابهم من جراء تناقص عدد الذين يقدرون واجباتهم الأخلاقية ، وما عليهم من تبعات هامة . ويعلل انتصار المسلمين على المسيحيين فى الشرق وفى أسبانيا ، بأنه راجع إلى احترامهم للواجب ، وما كان يثيره فى نفوسهم من حماسة ".
ـ 3 ـ

فى بداية الستينيات ، كنت أنشد البحث عن موضع فى حياتنا الثقافية من خلال العمل بالصحافة . عملت ـ حيناً ـ فى " الجمهورية " مع سعد الدين وهبة فى صفحة عنوانها " صباح الخير " . ولأن الصفحة كانت تعنى بالمادة الترفيهية والاجتماعية : زواج وطلاق وأعياد ميلاد وحفلات تكريم وغيرها ، ولأنى كنت أعانى قلة المصادر ـ الأدق : انعدامها ـ فضلاً عن شحوب استعدادى .. فقد بدا لى الفشل حقيقة فى الأسبوع الأول ، وإن كابرت ، وتعمدت تجاهله ، حتى الشهر الثالث . والحق أن سعد الدين وهبة كان كريماً فى تعامله معى . لم يكن فيما أسهمت به شئ يتصل بلون الصفحة ، إنما هى خواطر فى الأدب والفن . حاولت أن أقفز على مبنى الجمهورية بالمظلة دون الصعود على الدرجات المتآكلة . مع ذلك ، فإن الرجل لم يرفض شيئاً مما قدمته له . وكان يقرؤه بعناية ، ثم يسلمه ـ فى رقة ـ إلى سلة المهملات . فلما انتهى الشهر الثالث دون أن تجد خواطرى سبيلها إلى النشر ، صارحت أحمد عباس صالح ـ وأدين له بفضل مساندة خطواتى الأولى ـ بيأسى ، فأشار على بمعاودة محاولة لقاء الدكتور على الراعى ، المشرف على الصفحة الثقافية فى " المساء " آنذاك . كان الراعى غائباً ، والتقيت بكمال الجويلى ، فعرض على أن أشارك فى الباب الذى كان يحرره ، وعنوانه " كل الناس " . وبرغم أن الباب كان أقرب فى اتجاهه إلى صفحة سعد الدين وهبة ، ولعله كان أقل احتمالاً لنشر خواطرى من صفحة صباح الخير ، فإن صداقة الجويلى الطيبة ، وتسامحه ، وأبوته ، صنعت جسراً إلى العمل الصحفى ، وإلى الحياة الثقافية بالتالى ..
ويوماً ، طلب الجويلى أن أجرى حواراً مع شاب ارتكب ثلاثاً وعشرين حادثة سرقة سيارة ، قبل أن يكتشف أمره فى الحادثة الرابعة والعشرين . وروى لى الشاب عن ظروفه الاجتماعية ، وعن أجواء المعتقل الذى قضى فيه أعواماً ـ جعله تعدد السوابق من المجرمين الخطرين ـ حتى تم الإفراج عنه فى ظروف بالغة القسوة والغرابة : ألح نزلاء المعتقل فى طلب الإفراج . أرسلوا برقيات إلى المسئولين . أضربوا عن الطعام . تظاهروا . تشاجروا ـ إلى حد الاقتتال ـ مع حراس المعتقل . ثم لجأوا إلى وسيلة بشعة لتأكيد مطلبهم فى الإفراج . أجروا قرعة فى أسماء النزلاء ، واختير عشرة أسماء تعرض أصحابها للموت حرقاً ـ علانية ـ فى ساحة المعتقل . وكانت تلك الوسيلة القاسية هى الباعث لاهتمام المسئولين ، ودراسة حالاتهم ، والإفراج عن غالبيتهم . ونشرت الحوار ، ثم نسيته تماماً . حتى عادت ـ بتفكيرى فى كتابة الأسوار ـ صورة الشاب والحياة فى المعتقل ، والقرعة التى أحرقت عشرة أشخاص .. كانت تلك الصورة هى الإطار السردى للأسوار ، وإن داخلها ـ بالطبع ـ تصرف أملته طبيعة الرواية ، وتباين الظروف ، والتكنيك ، والدلالة . ذاب النزلاء العشرة فى شخصية الأستاذ . تعرض للمصير المؤلم بمفرده ، وعاش فى معتقل الرواية سياسيون ومجرمون عاديون . وتمت القرعة ـ عكس الحادثة الواقعية ـ بالخيانة . باختصار ، فقد كانت فكرة القرعة هى ما أفادته الأسوار من الحادثة القديمة .
(يتبع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://altajali.ahlamontada.com
 
كتاب للشمس سبعة ألوان للكاتب محمد جبريل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب مؤامرة يهودية أمريكية على القرأن و الاسلام للكاتب عبدالرزاق كيلو (1)
» كتاب مؤىمرة يهودية أمريكية على القرآن و الاسلام للكاتب عبدالرزاق كيلو (2)
» فقه الجهاد.. كتاب جديد للقرضاوي
» سيرة ذاتية للكاتب / طارق فايز العجاوى
» كتاب الملامح الفنية والجمالية في أدبيات الإمام الشهيد حسن البنا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التّجلي  :: الأولى :: منتدى الروايات العربية و العالمية-
انتقل الى: