منتدى التّجلي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى للإِبداع الفكري و الأدبي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» سيرة ذاتية للكاتب / طارق فايز العجاوى
رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Emptyالسبت مارس 31, 2012 6:19 am من طرف طارق فايز العجاوى

» معلقة زهير بن أبي سلمى
رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Emptyالأحد ديسمبر 18, 2011 6:28 am من طرف علي شموط

» معلقة زهير بن أبي سلمى
رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Emptyالأحد ديسمبر 18, 2011 6:26 am من طرف علي شموط

» الأضحية وأحكامها
رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Emptyالثلاثاء ديسمبر 13, 2011 6:37 am من طرف علي شموط

» أمي كذبت علي ثمان مرات
رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Emptyالثلاثاء ديسمبر 13, 2011 6:33 am من طرف علي شموط

» برنامج الكرة بملعبك الأكثر شعبية
رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 11:58 pm من طرف ابن البحر

» عصام الشوّالي، أشهر المعلقين الرياضيين العرب
رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 11:13 pm من طرف organizer

» حقوق الانسان في ظل الاسلام
رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 11:07 pm من طرف organizer

» تأبين الرّواية العربيّة في مؤتمرها- نقلاً عن صحيفة: أخبار الأدب
رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 4:13 pm من طرف Admin

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
منتدى
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني

 

 رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 123
تاريخ التسجيل : 06/12/2009

رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Empty
مُساهمةموضوع: رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني   رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني Emptyالأحد ديسمبر 13, 2009 3:55 pm

الفصل الثانى


البحر، و طراوة الخريف، و الجزر السابحة في النور، و المطر الناعم الذي أضفى حجابا شفافا على العري الأبدي لجزر اليونان، كم هو سعيد الرجل الذي يمخر عباب بحر إيجه قبل وفاته.
كم هي عديدة مسرات هذا العالم، نساء، و فواكه، و آراء، و لكن أن تشق عباب هذا البحر الهادئ و في فصل الخريف لهي السعادة التي تملأ قلب الإنسان في نعيم الفردوس، فهذا هو المكان الوحيد الذي يمكن للإنسان أن ينتقل فيه من مكان إلى مكان بهدوء و سهولة، من الواقع إلى الخيال.. إنها المعجزة بالذات!
وعند الظهر انقطع المطر، و بددت الشمس حجب الغيوم، و أطلت علينا ناعمة لتداعب بأشعتها صفحات الماء الحبيبة، و تركت نفسي تستوعب هذه المعجزة الخالدة التي انقشعت على مدى الأفق البعيد.
وعلى ظهر المركب، كاليونانيين، الشياطين الأذكياء، ذوو العيون المشعة و العقول التي تتقن فن المساومة الطويل على البضائع التافهة، و في بعض الأحيان تأخذ بك الرغبة في أن تمسك بهذا المركب من طرفيه و تغرقه في البحر، ثم تهزه جيدا لتغسل عنه كل هذه الحيوانات التي أوسخته، رجال، فئران، و قمل. ثم تعومه من جديد بعد أن يصبح نظيفاً فارغاً.
ولكن في بعض الأحيان كانت العاطفة تمنعني، عاطفة بوذية، باردة كالاستنتاجات الميتافيزيقية، عاطفة ليست نحو الرجال فقط، بل نحو الحياة كلها بجهادها، و صراخها، و نواحها، و آمالها التي لا ترى أن كل شيء ليس إلا محاولة لإظهار الأشباح من العدم، عاطفة نحو اليونانيين، و نحو المنجم الفحمي، و نحو مخطوطتي الناقصة عن بوذا، و عن ذلك الخليط من النور و الظلال الذي يزعج صفاء الجو.
وكنت أختلس النظر إلى زوربا المنهك، الشاحب الوجه، و قد قبع في مجلسه على ظهر المركب على كومة من الحبال عند مقدمة المركب، كان يشم ليمونة و يصغي إلى صراخ الركاب و شجارهم بأذنيه الكبيرتين ثم يهز برأسه الضخم و يبصق و يتمتم قائلا:
- هؤلاء الحطام، ألا يخجلون من أنفسهم؟
- ماذا تعني بكلمة ( حطام ) يا زوربا؟
- كل هؤلاء الملوك، الديموقراطيات، النواب، المرائين!
إن الحوادث لم تكون لزوربا سوى أمور قديمة، فهو بنفسه قد ابتعد عنها، و بالتأكيد كان التلغراف، و البواخر، و المراكب، الأخلاق السائدة، و الدين، لا بد أن تكون كالبنادق القديمة الصدئة، فتفكيره قد تقدم بسرعة تجاوزت تقدم العالم.
كانت الحبال تتشقق على الصواري، و الشواطئ كانت تتراقص، و النساء المسافرات أصبحت وجوههن أكثر اصفرارا من الليمونة، لقد ألقين بأسلحتهن، المساحيق و المشدات و دبابيس الشعر و الأمشاط، و شحبت شفاههن و أظافرهن بدأت تتحول ألوانها إلى الأزرق، و بدأت تتساقط الريش المستعار و الشرائط الحريرية و الجفون الاصطناعية، فقد كان الناظر إليهن بالإجمال يشعر بالقرف و الرغبة بالتقيؤ.
وشحب وجه زوربا بدوره و اصفر لونه ثم اخضر، و خفتت عيناه المتقدتان و لم يعد إلى تألقه الأول إلا في المساء، حين أشار إليّ ليريني درفيلين كانا يتقافزان و يسابقان المركب، و صاح:
- درافيل!
واحظت لأول مرة أن نصف إبهام يده اليسرى مقطوع، فارتعدتُ و سألته:
- ماذا جرى لإصبعك يا زوربا؟
وأجابني و قد بدا عليه الاستياء لأنني لم أنظر إلى الدرافيل:
- لا شيء!
- هل قطعته بآلة حادة؟
- و ما شأن الآلة بالموضوع؟ كلا فقد قطعته بنفسي.
- بنفسك، و لماذا؟
- أنت لا يمكنك الفهم، أيها الرئيس، لقد سبق و أخبرتك أنني قمت بأعمال عديدة، و في إحدى المرات عملت في صناعة الفخار، و قد أحببت هذا العمل لدرجة الجنون، هل يمكنك أن تتصور ماذا يعني أن تأخذ حفنة من الطين و تعمل منها ما تريد؟ قرر! ثم تدوّر الدولاب و يدور الطين معه بينما تقول بنفسك " سأصنع جرة، أصنع صحنا، سأصنع قنديلا، و الشيطان يعلم ماذا أيضاً " هذا ما تقوله عن كونك رجلاً: الحرية!
لقد نسي البحر، و لم يعد يقضم الليمونة، و عاد الصفاء إلى عيونه..
- حسنا، و لكن إصبعك؟
- لقد كانت تزعجني، و تقف في طريق عملي، و تفسد علي مشاريعي، و في ذات مرة أمسكت بفأس صغيرة..
- ألم تشعر بالألم؟
- كيف لم أشعر بألم؟ هل تعتقد أني جذع شجرة؟ إنني إنسان، لقد تألمت و لكن كما قلت لك كانت تقف في طريقي فقطعتها!
وهدأ البحر قليلا عند غياب الشمس و انقشاع الغيوم، فدبت نجمة المساء لامعة براقة، و ألقيت نظرة على البحر و رحت أفكر.. كيف نحب إلى هذا الحد؟ ثم نأخذ فأسا و نقطع ثم نتألم، لكني أخفيت اضطرابي و أردفت قائلا محاولا الابتسام:
- إنها لطريقة سيئة يا زوربا! إنها تذكرني بالأسطورة الذهبية التي تقول عن ناسك رأى امرأة قد أزعجته جسديا، فتناول فأساً..
وصاح زوربا مقاطعاً:
- كم هو أحمق، يقطع هذا! و لكن هذا المسكين لا يعتبر عقبة!
- كيف؟ بل هو عقبة كبيرة.
- أمام ماذا؟
- أمام ولوجك أبواب السماء!
وحدجني زوربا بنظرة ساخرة و هو يقول:
- إنه هو الذي يمكنك اعتباره مفتاح السماء!
ثم رفع رأسه و حدق بي كأنه يريد معرفة رأيي بالحياة التالية، و بملكوت السماء، و النساء و النساك، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى شيء فهز رأسه الضخم و استطرد:
- إن الخصيان لا يدخلون السماء.
ولاذ بالصمت، فذهبت إلى مقصورتي و أخذت كتاباً و أخذت أقرأ..
وفي صباح اليوم التالي استيقظتُ مبكراً، و كانت الجزيرة قد أصبحت عن يميننا، تلك الجزيرة الكبيرة المزهوة المتوحشة، و الجبال الوردية الشاحبة تبدو كأنها تبتسم من خلال ضباب شمس الخريف، و من حول المركب كان البحر الأزرق ما يزال ثائرا مهتاجاً.
وكان زوربا الملتحف بغطائه الرمادي ينظر محدقا إلى جزيرة كريت، و عيونه تنتقل من الجبل إلى السهل و تتبع الشاطئ و تتفحصه، كأنه قد شاهد جميع هذه الأراضي و البحار مرات سابقة و هو يتمتع برؤيتها ثانية، و دنوت منه واضعا يدي على كتفيه قائلاً:
- زوربا، أعتد أنها ليست المرة الأولى التي تأتي فيها إلى كريت، فأنت تحدق بها كأنك صديق قديم.
وتثاءب زوربا، كأنه ضجر، و شعرت أنه لا يميل إلى الحديث الآن، فابتسمتُ و قلت له:
- إن الحديث يضجرك، أليس كذلك يا زوربا؟
- ليس هذا بالضبط، أيها الرئيس، لكن الكلام صعب.
- صعب؟ و لماذا؟!
ولم يجبني على الفور، و أجال بنظره إلى الشاطئ مرة أخرى، لقد نام ليلته على ظهر المركب و كان شعره الرمادي المجعد يقطر بالندى، و كانت الشمس المشرقة تضيء التجاعيد في وجهه و رقبته، و حرك شفتيه أخيرا و هو يقول:
- في الصباح أجد صعوبة في فتح فمي، صعوبة كبيرة، اعذرني.
ومرة أخرى راح في صمتٍ عميق و عاد ينظر إلى كريت. و رن جرس طعام الإفطار، و ظهرت الوجوه من المقصورات، نساء مترنحات و شعورهن متدلية تفوح منهن روائح القيء الممزوج برائحة الكولونيا، و أعينهن مذعورة بلهاء. و كان زوربا يجلس أمامي و هو يشرب فنجان القهوة و يغمس قطعة الخبز التي مسحها بالزبدة و العسل، ثم يأكلها، و أشرق وجهه بعد ذلك و اطمأن قليلا و بدا فمه كأنه أصبح مرنا، ثم أشعل سيجارة و راح يستنشق أنفاسا و هو على أشد ما يكون من التلذذ، و لاحظت أنه أصبح مستعدا للحديث و من ثم راح يقول:
- هل هذه هي المرة الأولى التي آتي بها إلى كريت؟
ثم أغمض عينيه قليلا، ثم راح ينظر إلى جبل ابرا الذي كان ممتدا وراءنا، و استطرد قائلاً:
- كلا إنها ليست المرة الأولى ففي عام 1896 أصبحت رجلا ناضجا تماما و كان شاربي و شعري لا يزالان بلونيهما الحقيقيين و كنت لا أزال في مقتبل العمر، و كنت حين أسكر ألتهم المقبلات أولا ثم الطعام، نعم، فقد استمتعت إلى أقصى حدود الاستمتاع، لكن الشيطان تدخل أيضا فقد نشبت الثورة في كريت. في تلك الأيام كنت بائعا جوالا، و كنت أبيع الخضراوات متنقلا من قرية إلى قرية في مقدونيا و عوضا عن المال كنت أستبدل ما أبيعه بالجبنة و الصوف و الزبدة و الأرانب و الذرة، ثم أعود و أبيع هذه الأشياء و أكسب ربحا مضاعفاً، ففي كل قرية أحلها ليلا، أعلم أين أنام، ففي كل قرية كنت أجد قلب أرملة رحيمة عطوف، و كنت أقدم لها مشطا أو مكبا من الخيطان أو وشاحاً، أسود اللون بسبب المرحوم! و أنام معها بعد ذلك! و لم يكن ذلك يكلفني كثيراً.. كلا، لم تكن تكلفني كثيرا، أيها الرئيس، و لكن كما قلت سابقا لقد تدخل الشيطان و هبت كريت لتحمل السلاح، و قلت لنفسي لتذهب بمصيرها إلى الجحيم! ألا تقدر هذه الكريت اللعينة أن تتركنا بسلام؟ ثم وضعت جانبا أمشاطي و حملت بندقيتي و توجهت للانضمام للثوار في كريت.
وصمت زوربا، فقد بدأنا نسير إلى خليج مستدير رملي، و كانت الأمواج تنتشر بهدوء دون أن تتكسر، تاركة خيطا رفيعا من الزبد على طول الشاطئ، و انقشعت الغيوم و تألقت الشمس و لاحت أطراف الجزيرة بوضوح، و التفت زوربا نحوي و حدجني بنظرة ساخرة:
- و الآن، أعتقد أيها الرئيس أنك تتصور بأني سأخبرك كم رأسا تركيا قطعت و كم أذنا قد وضعت في الكحول، فهذه هي العادة في كريت، حسنا.. و لكني لن أفعل، فأنا لا أحب أن أفعل ذلك لأني أخجل منه، ما هذا الجنون؟ و اليوم بعد أن أصبح عقلي راجحا صرت أسائل نفسي قائلا: ما هذا الجنون الذي تملكنا لكي نلقي بأنفسنا على رجل آخر لم يؤذنا بشيء ثم نعضه و نقطع أنفقه و نمزق أذنيه، و في الوقت نفسه نطلب من الله العظيم أن يساعدنا! فهل هذا يعني أننا نطلب من الله أن يذهب معنا ليقطع آذان البشر و أنوفهم؟ و لكن في ذلك الوقت، كان دمي لا يزال حارا في عروقي، و ما كان باستطاعتي الوقوف و التساؤل و التفحص، إذ يجب على المرء لكي يفكر بدقة و عدل أن يكون هادئا مسناً دون أسنان! فعندما يكون المرء عجوزا لا أسنان له، فباستطاعته القول بسهولة تامة " لعنكم الله أيها الأولاد، فمن العيب أن تعضوا " و لكن حين تكون له أسناني الاثنين و الثلاثين.. يكون الإنسان متوحشا كالحيوان.. نعم، أيها الرئيس، كالحيوان المفترس آكل لحوم البشر.
و هز رأسه ثم قال:
- وهو يأكل الخراف أيضاً، والدجاج و الخنازير، و لكنه إذا لم يأكل لحم البشر تبقى معدته خاوية، كلا.. إن معدته لا تكتفي، و الآن ما لديك من أقوال؟!
ولكنه لم ينتظر الجواب، بل أكمل قوله و هو يحدق بي:
- ماذا يمكنك أن تقول، فكما أرى، إن سيادتك لم تشعر بالجوع مطلقاً، و لم تقتل أبدا، و لم تسرق و لم تزنِ، ماذا تعرف من هذا العالم؟ إن عقلك بريء، و جلدك لم ير أشعة الشمس.
قال جملته الأخيرة بكثير من الاحتقار، مما جعلني أشعر بالخجل من يدي الناعمتين و وجهي الشاحب و حياتي الخالية من لطخات الدم و الوحل، ثم قال و هو يمسح بيده الخشنة على الطاولة:
- حسنا، حسنا، فهناك ما أود أن أسألك إياه فلا بد أنك قرأت مئات الكتب، فربما تعرف الجواب.
- هيا، قل لي يا زوربا، ما هو؟
- إن هنا ثمة معجزة تحدث، أيها الرئيس، معجزة مضحكة تحيرني، إن كل هذه الأعمال، هذه الخدع القذرة و السرقات و المذابح التي نقوم بها – نحن الثوار – كل هذه جاءت بالأمير جورج إلى كريت، الحرية!
ثم نظر إلي بعينين ملؤهما الدهشة:
- إنها أحجية عظيمة، فإذا أردنا الحصول على الحرية في هذا العالم القذر يجب أن نقوم بهذه الجرائم، و هذه الخدع القذرة، أليس كذلك؟ أقول، إذا أخبرتك عن كل هذه الجرائم المريعة
لوقف شعر رأسك! و لكن ما هي نتيجة كل ذلك؟ الحرية! فبدلا أن يزيلنا الله تعالى بصاعقة من عنده يمنحنا الحرية! إني لا أفهم حقاً..
و نظر إلي كأنه يطلب العون مني، و قد لاحظت أن هذه المعضلة قد شغلته و آلمته و لم يتمكن من كشف سرها، ثم سألني بقلق:
- هل فهمت؟!
ماذا أفهم! و ماذا أقول له؟ فإما هذا الذي ندعوه إلها غير موجود، أو أن تكون هذه التي ندعوها جرائم و اغتيالات ضرورية للكفاح من أجل حرية العالم، و حاولت أن أجد له طريقة أسهل لأشرح له الأمر.
- كيف تستطيع الزهرة أن تنمو و تعيش وسط السماد و القذارة؟ افترض يا زوربا لنفسك أن هذه الأقذار هي الإنسان و أن الزهرة هي الحرية.
- ولكن البذرة؟
صاح زوربا و هو يضرب الطاولة بقبضة يده و يقول:
- لكي تنبت الزهرة يجب أن يكون هناك بذرة، من هو الذي وضع بذرة كهذه في جوفنا؟ و لماذا لا تنبت البذرة هذه زهور لطيفة شريفة؟ لماذا تحتاج إلى الدم و الأوساخ؟
فهززت رأسي قائلا:
- لا أعلم
- ومن يعلم؟
- لا أحد.
وصاح زوربا في يأس:
- إذا ماذا تنتظر مني أن أفعل بالقوارب و المحركات و ربطات العنق؟!
وتململ اثنان من المسافرين الذين كانوا يحتسون القهوة على مائدة مجاورة و رهفوا آذانهم لسماع ما نقوله، و اشمأز صديقي منهم و قال لي بصوتٍ خفيض:
- لنغير الموضوع، فعندما أفكر في ذلك أشعر برغبة في تحطيم كل ما تقع عليه يدي من كراسي أو قناديل أو حتى ضرب رأسي بالحائط، و لكن ما الفائدة من كل هذا؟ فسأضطر إلى دفع ثمن ما حطمته، ثم أضطر للذهاب إلى الطبيب ليربط لي رأسي، فهذا أسوأ بكثير، فسينظر إلي من أعالي السماء و ينفجر بالضحك.
وحرك يده فجأة كأنه يريد أن يتخلص من ذبابة مزعجة، ثم قال:
- لا بأس، فكل ما أردت أن أقوله لك هو: عندما جاءت المركبة الملكية و هي مزدانة بالأعلام و ابتدأ إطلاق المدافع، و حين وضع الأمير رجله على أرض كريت.. هل سبق لك أن رأيت شعبا بأسره يصبح مجنونا لأنه رأى حريته؟ كلا؟ آه، أيها الرئيس، إذن فقد خلقت أعمى، و ستموت أعمى، فإذا قدر لي أن أعيش ألف سنة حتى لو أن كل ما تبقى مني عبارة عن قطعة لحم حية، فلن أنسى ما رأيته ذلك اليوم! و إذا كل واحد منا قدر له أن يختار جنته في السماء حسب ذوقه – و هذا ما يجب أن نكونه، فهذا ما أدعوه جنة – سأقول للإله العظيم " يا إلهي، لتكن جنتي جزيرة كريت المملوءة بالأعلام و الزينات، و دع هذه اللحظة التي وطأت بها أقدام الأمير جورج أرض كريت تستمر قرونا طويلة! فهذا يكفي "
وعاد زوربا إلى الصمت مرة أخرى، و رفع شاربه، ثم ملأ كأسا من الماء البارد و شربها دفعة واحدة:
- ماذا جرى في كريت يا زوربا، أخبرني!
و قال لي منزعجاً:
- هل سنعود إلى العبارات الطويلة؟ أنظر، أقول و أكرر لك أن هذا العالم غامض جدا و الإنسان ليس إلا وحش كاسر.
وحشٌ عظيمٌ و إله، حارس أسود ثائر، جاء معي من مقدونيا، اسمه يورغا و كان يدعونه " المجرم " خنزير شرس، و هل تعلم.. لقد بكى، و قلت له و عيوني تترقرق بالدمع " لماذا تبكي أيها الكلب؟ لماذا تبكي أيها الخنزير؟ " و لكنه لم يجب، لم يكب، بل ألقى بيديه حول عنقي و راح يبكي كالأطفال، ثم تناول محفظته و وضعها على حجره بعد أن أفرغ منها القطع الذهبية التي نهبها من الأتراك ثم ملأ قبضته بالقطع و ألقى بها في الهواء، أرأيت.. أيها الرئيس، هذه هي الحرية!
ونهضت إلى ظهر المركب لأستنشق هواء البحر.. " هذه هي الحرية " فكرت بنفسي، تهوى ثم تجمع قطعا من الذهب، و فجأة تتغلب على تلك العاطفة فتتمسك بكنزك و تلقي به أدراج الرياح لتحرر نفسك من عاطفة معينة و تأخذ بعاطفة أسمى، أليست هذه هي نوعا آخر من العبودية؟ لتضحي بنفسك من أجل فكرة معينة، من أجل عرق ما، لله؟ أم أن كلما ارتفع الرمز طال حبل العبودية؟ عندئذ يمكننا الاستمتاع و اللهو في أرجاء أوسع و نموت دون أن نصل إلى نهاية الحبل، هل هذا ما ندعوه الحرية؟!
وعند المغيب شارفنا الشاطئ الرملي و رأينا أخيرا الرمال البيضاء الصافية و أشجار الخرنوب و التين، و التل الصغير الأجرد الذي يشبه وجه امرأة تستريح، و تحت ذقنها و حول رقبتها تمر عروق الفحم الرمادية.
كانت نسمات الريح الخريفية تهب، و الغيوم المتقطعة تمر في السماء لتغلق الأرض بالظلال، و غيوم أخرى كانت تنظر و تهدد الشمس التي احتجبت وراءها، و وجه الأرض يضيء و يظلم كوجه حي منزعج.
وتوقفت للحظة على الرمل و نظرت، كانت الوحدة مجسمة أمامي، وحدة مميتة و لكنها مدهشة، كالصحراء، و برزت أغنية البوذيين من الأرض و تلمست طريقها إلى أعماق نفسي " متى سأنزوي في الوحدة أخيرا، لوحدي، دون رفاق، و بدون فرح أو بدون حزن، و بالتأكيد مقدس أن كل شيء ليس إلا حلما؟ متى، و في أسمالي البالية – دون رغبات – سأنزوي مكتفيا في الجبال؟ و متى، و أنا متبين أن جسدي ليس إلا مرضا و جريمة، و حياة و موت، حرا دون خوف و بسعادة، سأعتزل إلى الغابات؟ متى؟ متى؟ آآه.. متى؟ "
وتقدم زوربا نحوي و هو يحمل السانتوري تحت ذراعيه، بخطى قلقة، فقلت له محاولا إخفاء قلقي:
- هناك مناجم للفحم!
ودون أن ينظر إلى حيث أشرت أجابني بهزة من رأسه..
- فيما بعد، فهذا ليس الوقت لذلك أيها الرئيس، يجب أن ننتظر حين تقف الأرض، إنها لا تزال تموج و ليأخذها الشيطان، كظهر المركب، تعال.. لنذهب إلى القرية.
وبهذه الكلمات تقدم بخطى طويلة محاولا إنقاذ وجهه، و تراكض اثنان من الصبية الأشقياء ليحملا الحقائب، و في الكوخ، حيث نقطة الجمرك، جلس أحد الموظفين يدخن ( الحُقة ) و حدجنا بطرف عينه بنظرات ثاقبة، ثم ألقى نظرة سريعة على الحقائب و تحرك قليلا كأنه يريد الوقوف لكنه وجد أن ذلك سيأخذ منه كثيرا من المشقة، و اكتفى بأن أشار إلينا قائلاً " أهلا بكم "، و تقدم أحد الصبية و قال لي بلهجة ساخرة:
- إنه ليس كريتيا، إنه شيطان بليد.
- أليس الكريتيين شياطين بلداء؟
فقال الكريتي الصغير:
- إنهم كذلك، نعم، إنهم كذلك.. و لكن بطريقة مختلفة.
- هل القرية بعيدة؟
- على بعد طلقة بندقية من هنا، أنظر، وراء البساتين في الوادي، إنها قرية جميلة، يا سيدي تحوي الكثير من كل شيء، شجر خرنوب، لوبياء، زيت، نبيذ، و هناك على الرمال نبت الخيار مبكرا كذلك البطيخ، إن هواء أفريقيا هو الذي ينضجها باكراً، فإذا ما نمت بأحد البساتين فإنك تسمع صوت طقطقتها و هي تنضج و تكبر.
كان زوربا يتقدمنا و رأسه ما يزال مترنحا، فصحت به قائلاً:
- ارفع رأسك يا زوربا، لقد اجتزنا المخاطر الآن، و لم يعد هناك من داعٍ للخوف.
وتقدمنا مسرعين، و كانت الأرض مملوءة بالرمال و الصدف، و هنا و هناك نجد بعض أشجار التين، كان الجو ثقيلا، و الغيوم تتجمع و تقترب و الريح تهدأ، و اقتربنا من شجرة تين ضخمة، فتوقف أحد الولدين و أشار إلى الشجرة و هو يقول:
- هذه شجرة التين خاصة سيدتنا الصغيرة.
وفوجئت بكلمته، فقد كانت لكل شجرة أو صخرة في أرض كريت قصة محزنة:
- ولماذا تدعى كذلك؟
- في الأيام الماضية، أيام أجدادنا، وقعت إحدى البنات من الأعيان في غرام أحد الرعاة الشباب، لكن والدها لم يكن موافقا، و راحت الابنة تبكي و تصرخ و ترجو والدها الذي لم يلين، و في أحد الأيام اختفى الشابان و ظلوا يبحثون عنها يوما، و يومين، و ثلاثة، و أسبوعا، و لكن دون جدوى، و أخيرا فاحت رائحة العفونة فتتبعوها فوجدوا العاشقين تحت شجرة التين، متعانقين متعفنين، هل تفهم؟ لقد عثروا عليهما بسبب رائحة العفونة.
وانفجر الصبي بضحكة مجلجلة، و تناهت إلى أسماعنا ضوضاء القرية البعيدة، و سمعنا أصوات نباح الكلاب و صياح النسوة و الديوك، و شممنا رائحة العنب من القدور الذي كان العرق يقطر منها..
- هذه هي القرية.
و ما إن اقتربنا من التلة الصغيرة حتى لاحت لنا القرية الصغيرة و بنات لنا كأنها تتسلق سفح الوادي، كانت البيوت الصغيرة متجملة، متلاصقة، نوافذها كأنها بقع سودا، فالبيوت كانت مبنية من الكلس الأبيض الناصح و الحجارة، و لحقت بزوربا وقلت له:
- لا تنس، يا زوربا، أن تتصرف بلياقة فقد دخلنا إلى القرية الآن، و لنتصرف كرجال الأعمال، فأنا المدير و أنت ناظر العمال، إن الكريتيين لا يأخذون الأمور بسهولة فما أن تقع أعينهم عليك حتى يبحثوا عن شيء ظاهر بك و يطلقوا عليك لقبا معينا، حيث لا يمكنك بعد ذلك التخلص من هذا اللقب، و ستجري كالكلب الذي لحقت بذيله مقلاة.
وأمسك زوربا بشاربه و غاب في التأملات، و أخيرا قال:
- اسمع، أيها الرئيس، إذا كانت هناك أرملة في القرية فلا لزوم للخوف، و إذا لم يكن..
وفي هذه اللحظة و ما إن دخلنا إلى القرية تقدمت منا امرأة فقيرة بأسمال بالية و مدت يدها نحونا، و لاحظت أن لها شاربا أسود، و صاحت بزوربا كأنها تعرفه:
- مرحى يا أخ، هل لك روح أيها الأخ؟
وتوقف زوربا و أجابها:
- نعم لدي.
- إذاً أعطني خمس درخمات.
ونفحها بشيء من المال قائلا " خذي "، افترت شفتاها عن ابتسامة حريرية، و أضاف زوربا قائلا:
- إن الحياة هنا ليست غالية على ما أظن، أن الروح تساوي خمسة درخمات.
واقتربنا نحو ساحة القرية فرأينا مقهى كتب على مدخله " مقهى الحشمة، و دكان اللحام ".
- ولماذا تضحك؟!
سألني زوربا، لكنني لم أجد وقتاً لأجيبه، فقد خرج من باب الدكان هذا خمسة أو ستة عمالقة
يرتدون سراويل زرق لها أحزمة حمراء و صاحوا بنا:
- أهلا بالأصدقاء! تفضلوا بالدخول و خذوا كأسا من العرق، إنه لا يزال حارا من القدور.
ولعق زوربا لسانه و قال:
- ما رأيك أيها الرئيس؟ هل نشرب كأسا؟
وشربنا كأسا أحرق أمعاءنا، و قدم إلينا صاحب المقهى / اللحام، و هو رجل عجوز جليل، كرسيين، فسألته عن مكان نأوي إليه و صاح أحدهم:
- اذهبا إلى مدام هورتنس.
وتساءلت بدهشة:
- هل هي فرنسة؟
لقد جاءت من مكان لا يعلم إلا الشيطان ما هو، لقد طافت في جميع الأرجاء ثم استقرت هنا و أسست فندقا صغيرا.
و قال أحد الأولاد:
- وهي تبيع الحلوى أيضاً!
ثم أضاف أحدهم:
- وهي تتزين و تصبغ وجهها أيضا، و تضع شريطة حول عنقها، و لديها ببغاء.
وهتف زوربا:
- وهل هي أرملة؟
وقال له صاحب المقهى:
- كم هو عدد السكارى هنا أيها الصديق؟ إنها أرملة لعدد كبير من الأزواج، هل فهمت ما أقصد؟
- نعم فهمت.
أجاب زوربا و هو يلعق شفتيه.
- ويمكنها أن تجعل منك أرملا
- انتبه أيها الصديق!
صاح أحد الرجال و ضحك الآخرون، و تقدم صاحب المقهى حاملا صينية عليها الخبز و الجبن و هتف قائلا:
- هيا، دعوهما و شأنهما، و سوف أستضيفهما عندي.
- كلا، أنا سأستضيفهما، فأنا ليس عندي أطفال و بيتي كبير.
وأجاب صاحب المقهى و هو ينحني فوق الرجل و يقول:
- أرجو المعذرة، أيها العم انانيوستي، فأنا سبقتك بالكلام.
- إذن خذ الآخر، و سآخذ أنا العجوز.
وصاح زوربا غاضباً:
- أي عجوز؟!!
وقلت له و أنا أهدئ من روعه
- لن نفترق، و سنذهب لعند مدام هورتنس.
كانت امرأة بدينة قصيرة القامة، شعرها باهت اللون، تتلوى في مشيتها، مادة ذراعيها، و على ذقنها خال تتدلى منه شعيرات طويلة، و كانت تربط حول عنقها شريطة حمراء، و خدودها المجعدة مصبوغة بلون بنفسجي، و قالت لنا مرحبة:
- أهلا، أهلا و سهلا.
وأجبتها ببشاشة و أنا أقبل يدها:
- كم أنا سعيد بمعرفتك يا مدام هورتنس، إنا نريد سريرين يا سيدتي.. دون قمل.
- أوه، بدون قمل؟ لا أعتقد ذلك، ليس هنا من قمل على الإطلاق.
وتقدمتنا و هي ترفس الحجارة بقدمها القصيرة المكتنزة، و كانت تلبس جواربا زرقاء و ضخمة و تنتعل حذاءين مشقوقين عليها عقدة صغيرة من الحرير و لحق بها زوربا و عينيه تكاد تأكلانها!
- أنظر، أنظر أيها الرئيس، كيف تتلوى في مشيتها كالنعجة ذات الإلية المشحمة.
وعض زوربا على شاربه بعصبية و عيناه مسمرتان على أرداف السيدة و قال:
- همم، إن هذه الحياة ملأى بالعهر..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://altajali.ahlamontada.com
 
رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رواية زوربا اليونانية الفصل اثالث
» رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير
» رواية زوربا اليونانية
» رواية زوربا اليوناني الفصل الأول
» ترتيب الدوري الأسبوع الثاني عشر

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التّجلي  :: الأولى :: منتدى الروايات العربية و العالمية-
انتقل الى: