منتدى التّجلي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى للإِبداع الفكري و الأدبي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» سيرة ذاتية للكاتب / طارق فايز العجاوى
رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Emptyالسبت مارس 31, 2012 6:19 am من طرف طارق فايز العجاوى

» معلقة زهير بن أبي سلمى
رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Emptyالأحد ديسمبر 18, 2011 6:28 am من طرف علي شموط

» معلقة زهير بن أبي سلمى
رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Emptyالأحد ديسمبر 18, 2011 6:26 am من طرف علي شموط

» الأضحية وأحكامها
رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Emptyالثلاثاء ديسمبر 13, 2011 6:37 am من طرف علي شموط

» أمي كذبت علي ثمان مرات
رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Emptyالثلاثاء ديسمبر 13, 2011 6:33 am من طرف علي شموط

» برنامج الكرة بملعبك الأكثر شعبية
رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 11:58 pm من طرف ابن البحر

» عصام الشوّالي، أشهر المعلقين الرياضيين العرب
رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 11:13 pm من طرف organizer

» حقوق الانسان في ظل الاسلام
رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 11:07 pm من طرف organizer

» تأبين الرّواية العربيّة في مؤتمرها- نقلاً عن صحيفة: أخبار الأدب
رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Emptyالثلاثاء يناير 11, 2011 4:13 pm من طرف Admin

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
منتدى
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني

 

 رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



عدد المساهمات : 123
تاريخ التسجيل : 06/12/2009

رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Empty
مُساهمةموضوع: رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير   رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير Emptyالأحد ديسمبر 13, 2009 3:58 pm

الفصل الرابع


عندما انبلج الصباح استيقظت لأرى زوربا أمامي جالسا عند طرف السرير يدخن وهو غارق في بحر من التأملات، وعيناه مسمرتان على زجاج النافذة...
وتذكرت أني تركتهما لوحدهما ليلة البارحة وقلت له:
- إني ذاهب، يا زوربا، تمتع جيدا، وتشجع....
وقد قال لي:
- إلى اللقاء أيها الرئيس، اتركنا نرتب الأمر جيدا.
وقد بدا لي أنهما رتبا الأمر جيدا، فقد سمعت في الليل أصواتا مكتومة، وتهزهزات في الغرفة المجاورة. وبعد منتصف الليل دخل زوربا إلى غرفتنا عاري القدمين وانطرح على السرير بكثير من الهدوء كي لا يوقظني...
ولكنه الآن، عند الفجر، يبدو شاردا، وعيناه تضيع بعيدا، وكان لا يزال غارقا في نشوة الليل الفائت مستسلما بهدوء إلى شعاع الشمس المتداخل من زجاج النافذة.
وبدأت القرية تفيق من نومها، وبدأت الحركة تدب في الأزقة ممتزجة بأصوات الديوك والخنازير، والحمير، والناس. وخطر لي أن اقفز من سريري واصرخ: " هيا يا زوربا فلدينا عملا اليوم " لكني كنت اشعر أنا الآخر بسعادة كبيرة في الاستسلام هكذا دون حراك منتظرا تسرب الفجر الرائع،ففي هذه اللحظات الساحرة تبدو الحياة، خفيفة كالغبار، وتبدو الأرض كأنها تتكون من الريح كالغيوم المتموجة الطرية...
ونظرت إلى زوربا وهو يدخن، فشعرت برغبة في التدخين أنا الآخر، فتناولت غليوني. وحدقت به منفعلا. انه غليون إنكليزي الصنع، كان صديقي القديم قد أهداني إياه، وتذكرت قوله حين منحني هديته تلك: خذ هذا الغليون، واترك السجائر التي تدخن نصفها وترميها بعد ذلك كأنها امرأة عاهرة، تزوج الغليون، فهو كالمرأة الوفية فعندما تعود إلى بيتك، ستجده دوما هناك بانتظارك فتشعله وتجلس تتأمل دخانه الصاعد في الهواء، ثم تذكرني....
لا زلت اذكر إن الوقت كان ظهرا، وكنا في احد متاحف برلين، حيث كان صديقي يودع لوحته العزيزة ( المحارب ) للرسام رامبراندت، ونظر صديقي إلى تلك اللوحة متأملا المحارب الحاقد اليائس. وقال: " إذا ما تمكنت من القيام في حياتي بعمل جدير بالرجل، فسأكون مدينا به له!! "
كنا في صالة المتحف، نقف قرد عامود، وأمامنا تمثال من البرونز لفارسة عارية تمتطي حصانا بريا متوحشا. وغط عصفور على رأس التمثال والتفت صوبنا وهز بذنبه وأطلق لحنا هازئا ثم طار في سبيله. وارتعدت وأنا انظر إلى صديقي وسألته:
- هل سمعت العصفور؟ لقد خلت انه قال لنا شيئا، ثم طار في سبيله.
وابتسم صديقي وأجابني بمثل من أمثالنا العامة: ( انه عصفور، دعه يغني، انه عصفور، دعه يتكلم )
كيف كانت، في هذه اللحظة عند طلوع الفجر، عند شاطئ كريت هذه الذكرى تعود إلى مخيلتي مع هذا المثل الحزين لتملأ عقلي بالمرارة؟
ووضعت قليلا من التبغ في غليوني وأشعلته. إن كل شيء في هذا العالم له معان خفية. الرجال. الحيوانات. الشجر. النجوم، إنها تبدو كالرموز الهيروغليفية لمن بدأ في حل رموزها ليكتشف خفاياها.... فعندما تراها فإنك لا تفقه لها معنى، فتعتقد أنها رجال اقحاح، وحيوانات، وأشجار، ونجوم، ولكن بعد مرور السنين وبعد فوات الأوان تفهم معناها الحقيقي...
ورحت أتابع الدخان المتصاعد من الغليون، وكانت روحي تندمج بهذا الدخان، وتتلاشى معه في الحلقات الزرق المكونة. ومر وقت طويل، كنت اشعر، دون العودة إلى المنطق، وبتأكيد لا يوصف، بحقيقة هذا العالم وانبثاقه وزواله.
وأطلقت زفرة هادئة أيقظتني من أفكاري الشاردة، فنظرت إلى ما حولي إلى هذا الكوخ الخشبي الفقير، وهذه المرآة الصغيرة المتدلية على الحائط والمنعكس عليها شعاع الشمس، فبدت تقدح بالشرر. وكان زوربا لا يزال جالسا على حافة السرير يدخن بهدوء مديرا لي ظهره.
ومرت أحداث الأمس بمخيلتي، رائحة البنفسج والكولونيا، والمسك والببغاء الذي بدا كالرجل قد تحول إلى ببغاء يضرب قفصه بجناحه مناديا حبيبا قديما، وسفينة قديمة، لا تزال الوحيدة الباقية على قيد الحياة لتقص أقاصيص الحرب والمعارك البحرية القديمة....
واستدار زوربا عندما سمع صوت زفرتي، وتمتم قائلا:
- لقد أسأنا التصرف، لقد أسأنا التصرف أيها الرئيس. لقد ضحكت، وكذلك فعلت أنا، وقد رأتنا هي، وهذه الطريقة التي غادرتنا بها دون أن تنبس بكلمة رقيقة واحدة. يا للعار اللعين! إن هذا ليس تهذيبا، أيها الرئيس. وهذه ليست طريقة حسنة للتصرف، اسمح لي أن أقول لك. إنها امرأة على كل حال. أليس كذلك؟ مخلوقة ضعيفة خائفة. وقد عملت جيدا حين بقيت لأعزيها.
- ولكن ما تعني بقولك يا زوربا؟ وهل تعتقد بكل جدية إن جميع النساء ليس في عقولهن شيء سوى هذا؟
- نعم أيها الرئيس، فليس في عقولهن شيء آخر. أصغ إلي الآن.... لقد رأيت جميع الأشياء، وعملت في كل شيء... إن المرأة ليس عندها من شيء آخر في نظرها. إنها مخلوق ضعيف مشاكس. وإذا لم تقل لها انك تحبها وتريدها فإنها تبدأ في البكاء. وربما هي الأخرى لا تريدك إطلاقا، بل ربما تحتقرك وربما تقول لك كلا، فهذه مسألة أخرى لكن جميع الرجال الذين يرونها يجب أن يشتهونها، فهذه ما تريده تلك المخلوقة المسكينة، لذلك فالأجدر أن تحاول إرضاءها. فأنا مثلا، كانت لي جدة تبلغ الثمانين من عمرها. إن قصتها حقيقية تماما. وكانت تسكن قريبا من منزلنا فتاة صبية نضرة كالوردة، واسمها كريستالو. وفي كل يوم سبت عند المساء، كنا نحن الشباب نذهب إلى الحانة لنحتسي كأسا من الخمر وننتشي به، ثم نضع ضمة من الحبق وراء أذننا ويأخذ ابن عمي قيثارته ونذهب للتنزه. يا للحب يا للعاطفة.... كنا نخور كالبقر وكنا نريدها وكل يم سبت كنا نتوجه لها مرة واحدة ليقع اختيارها على واحد منا. حسنا... هل تصدق هذا أيها الرئيس؟ يا له من لغز؟ إن في النساء جرحا لا يلتئم بالمرة. كل الجروح تشفى إلا هذا. لا تعتمد كثيرا على كتبك... انه لا يلتئم أبدا. لماذا... لأنها قد أصبحت في الثمانين؟ ومع ذلك فالجرح لا يزال مفتوحا.
إذن كل سبت كانت العجوز المتصابية تجر أشياءها نحو النافذة. وتتناول مرآتها الصغيرة وتحاول تسريح ما تبقى من شعرها وتنشره على فرقتين فوق جمجمتها. ومن ثم تختلس نظرات سريعة حولها خوفا من ان يشاهدها احد، وان اقترب احد منها، تندفع إلى الوراء لتستكين بهدوء وتدعي النوم. ولكن كيف كانت تستطيع النوم؟ فإنها بانتظار النزهة وهي في الثمانين من عمرها... هل ترى الآن هذا اللغز المجهول في المرأة أيها الرئيس؟ إن هذا يشدني الآن للبكاء. أما في ذلك الوقت فقد كنت تافها. ولم افهم هذا. وهذا ما كان يدفعني للسخرية، في احد الأيام غضبت منها، لقد كانت توبخني لأنني كنت اجري خلف الفتيات. عندها صحت في وجهها دون مواربة وبكل صرامة!! لماذا تدلكين شفتيك بورق الجوز كل سبت. وتسرحين شعرك. أتظنين بأننا نتنزه من أجلك؟ إننا نأتي من أجل كريستالو. أما أنت فلست إلا جيفة نتنة.
هل تصدق أيها الرئيس؟ في ذلك اليوم عرفت فقط ما هي المرأة. دمعتان دفقتا من عيني جديتي. انكمشت كأنها كلبة، وراحت ذقنها ترتجف. وصحت " كريستالو " واقتربت منها أكثر لكي تتمكن من أن تسمعني بوضوح: " كريستالو "... إن الشباب حيوانات قاسية، إنهم ليسو من المخلوقات الإنسانية. لا يفهمون شيئا.
عندها رفعت جدتي ذراعيها النحيلتين نحو السمار وصاحت " عليك اللعنة من أعماق قلبي " ومنذ ذلك اليوم بدأت صحتها تتلاشي وتتدهور، وبعد شهرين كان يومها قد بدأ يقترب. وبدت أيامها معدودة. وعندما كانت تحتضر شاهدتني. فشهقت كأنها حشرة وحاولت أن تمسكني بأصابعها وقالت " لقد كنت أنت من أنهى حياتي. فليلعنك الله يا الكسيس ويجعلك تعاني كل ما عانيته أنا "
وابتسم زوربا وتابع:
- آه. إن لعنة العجوز قد أصابت هدفها.
وراح يصلح من حال شاربه وتابع قائلا:
- إنني في الخامسة والستين الآن، ولو عشت حتى المئة فلن أتقاعد، فسأظل احمل المرآة الصغيرة في جيبي، وسأبقى اجري خلف النساء.
وابتسم ثانية، ورمى سيجارته من النافذة، ومد ذراعيه قائلا:
- لي أخطاء غير هذه كثيرة، إلا أنها الوحيدة التي سوف تقضي علي.
وقفز من سريره وصاح:
- لقد تحدثنا بما فيه الكفاية اليوم. يجب أن نستغل اليوم.
وارتدى ثيابه وحذائه بمثل لمح البصر وخرج.
وبرأس محني، رحت استعيد كلمات زوربا، وفجأة لمعت في رأسي، مدينة مغطاة بالثلوج، كنت في معرض لأعمال " رودان " وتوقفت لأنظر إلى يد برونزية ضخمة " يد الله " كانت اليد نصف مفتوحة. وفي نصف الراحة كان يوجد رجل وامرأة متعانقان يكافحان.
جاءت فتاة واقتربت مني. وكانت تبدو غير مستكينة ومضطربة، وراحت تنظر إلى ذلك العناق الأبدي بين الرجل و المرأة. كانت نحيلة، أنيقة، وكان لها شعرا أشقر كثيفا. وذقنا قاسية وشفاه ناعمة كان باديا عليها التصميم والرجولة. كان في طبيعتي عدم البدء بالحديث. ولكن لا ادري ما الذي دفعني لأن ألتفت نحوها وأسألها:
- بماذا تفكرين؟
فتمتمت بسرعة؟
- آه... لو نستطيع أن نهرب!!!
- وأين نذهب، فيد الله في كل مكان. فلا يوجد أي مهرب. هل أنت أسفة؟
- كلا.... فالحب قد يكون اكبر متعة في الوجود. هذا ممكن. إنما الآن فأرى تلك اليد البرونزية. فأفكر بالهرب
- أتفضلين الحرية؟
- أجل.
- ولكن لنفترض بأننا عندما نطيع تلك اليد نشعر بأننا أحرار. لنفترض بأن كلمة " الله " ليس لها المعنى التي تمنحه له الجماهير.
نظرت إلي بقلق وبدت عيناها رماديتان، وشفتاها جافتين مرتين.
- لم أفهم..
قالت وابتعدت بسرعة.
اختفت، ومن ذلك الوقت لم أفكر فيها مطلقا.. ولكن لابد وأنها كانت تعيش في داخلي، واليوم على هذا الشاطئ المهجور ظهرت من جديد شاحبة نحيلة، من أعماق كياني.
نعم لقد كان تعرفي غير لائقا، كان زوربا على حق، فاليد البرونزية كانت حجة، فالاتصال الأول قد تم. وكانت الكلمات اللطيفة قد تبودلت وكان من الممكن تدريجيا، أن نتعانق ونتحد بهدوء ودون إزعاج في يد الله. إلا أنني قفزت فجأة من الأرض نحو السماء. فارتعشت الفتاة وهربت.
كان الديك العجوز يصيح في باحة حديقة السيدة هورانتس، وأنوار الصباح الجديد قد بدأت تزحف عبر النافذة الصغيرة. وانحدرت من الفراش. كان العمال قد بدأوا يغدون حاملين معاولهم ومجارفهم، وراح يتناهى لمسامعي صوت زوربا يصدر الأوامر. فقد انغمس في العمل بسرعة فائقة. إذ أن الإنسان يشعر بأنه يعرف كيف يأمر، ويحب المسؤولية.
مددت رأسي من النافذة الصغيرة وشاهدته واقفا هناك، كأنه عملاق بين ثلاثة من العمال النحيفين، القساة، السمر. كانت يده ممدودة بقسوة وكانت كلماته مختصرة وفي صلب الموضوع.
وبعد قليل امسك بعنق فتى صغير كان يتقدم متمتما بصوت خفيض، فصاح زوربا:
- هل عندك شيء لتقوله؟ هيا قله بسرعة وبصوت عال، فأنا لا أحب الدمدمة، يجب أن تكون مستعدا للعمل و إلا عد إلى الحانة.
عندها ظهرت السيدة هورانتس، بشعر مشعث، وخدين غائرين، لأنها لم تضع أي مسحوق على وجهها. وكانت ترتدي ثوبا طويلا قذرا، وتنتعل زوجا من الأحذية الطويلة المهترئة. وسعلت سعالا قاسيا كسعال مغنية سابقة، كأنه نهيق حمار، توقفت ونظرت نحو زوربا بكل فخر وكبرياء، ومضت عيناها، فسعلت من جديد، متى يلحظها، ومرت بقربه، تهز وتحرك ردفيها بإثارة مصطنعة، أكمامها الوسخة كادت تلمسه، إلا انه لم يتحمل مشقة النظر إليها، وأخذ قطعة من خبز الشعير وقبضة من الزيتون وصاح بالعمال:
- الآن أيها الرجال. باسم الله، ارسموا علامة الصليب.
وسار بعيدا يتقدم الرجال بخط طويل نحو الجبال. لن أصف هنا العمل في المنجم... فهذا يحتاج لصبر طويل، وأنا ينقصني الكثير منه، قرب البحيرة بنينا كوخا من القصب والخيزران وبقايا صفائح البنزين، كان زوربا يستيقظ عند الفجر، ويتناول معوله، ويذهب إلى المنجم قبل كل العمال، ويفتح نفقا جديدا، ويكتشف عرقا من الفحم ويرقص من الفرح. إلا أنه بعد يومين أو ثلاثة يتوه عن العرق فيصيح ويرمي نفسه على الأرض ويرفع رجليه ويلوح بهما نحو السماء كأنه يسخر أو يهزأ من السماء.

كان يعمل بكل إخلاص. ومنذ اليوم الأول تحولت كامل المسؤولية عبر يدي ليستلمها هو بكل شجاعة، كان عمله هو أن يتخذ القرار وان يضعه قيد التنفيذ، وكان علي تحمل العواقب. إلا أن هذه التدابير ناسبتني أكثر لأنني شعرت بأن هذه الشهور ستكون أسعد أيام حياتي
وباعتبار كل هذا شعرت بأنني أشتري سعادتي بثمن زهيد...
كان جدي، والد أمي، الذي كان يسكن في إحدى قرى جزيرة كريت، اعتاد أن يحمل كل ليلة فانوسه ليدور في شوارع الفرية، عله يصادف أحد الغرباء. فيصطحبه إلى المنزل ليقدم له الطعام والشراب، ومن ثم يجلس فوق أريكته المعتادة ويشعل غليونه التركي، ويلتف نحو ضيفه، الذي حان الوقت لكي يرد له الضيافة، ويقوا بلهجة واثقة قاسية:
- هيا... تكلم...
- أتكلم.... عن ماذا أيها الأب موستويورجي؟
- ماذا تكون؟؟ من تكون؟؟ من أين أنت؟؟ عن المدن والقرى التي زرتها؟؟ كل شيء، حدثني عن كل شيء. هيا تكلم.
ويبدأ الضيف بالحديث دون هدف، ليخلط بين الحقائق والأساطير، بينما يكون جدي جالسا بهدوء فوق أريكته يدخن غليونه، يصغي لضيفه بكل جوارحة ومتابعا له في جميع أسفاره. وإن أحب الضيف، فسوف يقول له:
- سوف تبقى يوم غد أيضا، سوف لن ترحل، فقد بقي عندك أشياء كثيرة لتقصها علي.
لم يترك جدي قريته أبدا، حتى إلي كانديا أو كانيا ( لماذا أذهب لهناك ) كان يقول إن بعض أهالي كانديا وكانيا، يمرون من هنا. وهكذا فكانديا وكانيا يأتون إلي. إذن لماذا أذهب أنا إليهم؟!!!
وعلى هذا الشاطئ الكريتي اتبع أنا عادة جدي. أنا أيضا قد وجدت ضيفي بعد أن بحثت عنه مع قنديلي. وسوف لن أدعه يرحل. بالطبع هو يكلفني أكثر من مجر عشاء، إلا أنه يستحق كل هذا، كل مساء انتظر عودته من العمل، و أجلسه أمامي ونلتهم طعامنا. وحين يحين الوقت ليرد لي الضيافة أقول له " تكلم " وأدخن غليوني وأصغي. هذا الضيف قد شاهد العالم بأسره وخبر الروح البشرية. وأنا لا آمل أبدا الإصغاء إليه.
- تكلم يا زوربا..... تكلم
وعندما يبدأ حديثه تبدو أمام ناظري " ماسيدونيا " حيث تمتد في الفسحة التي بين زوربا وبيني، بجبالها وغاباتها و سيولها وثوارها. ونساءها الذين يعملون بجد ورجالها ذوو الأجسام الضخمة. وأيضا جبل آتوس بأبرشياته الواحد والعشرون ومصانع الأسلحة، وسكانه العاطلين عن العمل. وعندما ينهي زوربا حديثه عن الرهبان يهز رأسه ويغرق بالضحك قائلا:
- ليحفظك الله أيها الرئيس من مؤخرات البغال ومقدمات الرهبان.
كل يوم يأخذني زوربا عبر اليونان، بلغاريا والقسطنطينية. فأغمض عيني... وأرى. كان قد جال كل سهول البقان وعاينها بعينيه الصغيرتين اللتين كان يفتحهما بدهشة وتعجب، أشياء اعتدنا عليها، تمر أمامنا بكل بساطة. وفجأة تقفز أمام زوربا كأنهم مردة مخيفين. وعندما يشاهد امرأة تمر أمامنا، يتوقف بذهول ويتساءل:
- يا لهذا اللغز المحير! ما سر المرأة.... لماذا تدير رؤوسنا.؟ هيا أخبرني.. أنا أسألك ما معنى هذا؟؟؟
انه يستجوبني بهذه الطريقة، وبمثل هذا الذهول، كلما لمح رجلا، شجرة في أوجها أو قدحا من الماء البارد. إن زوربا يرى يوميا كل هذه الأشياء وكأنه يراها لأول مرة.
بالأمس كنا جالسين قرب الكوخ، عندما عب كأسا من الخمر، والتفت نحوي بسرعة قائلا:
- مهما يكن هذا السائل الأحمر، أيها الرئيس اخبرني،. أغصان قديمة تنبت أغصان. وفي بادئ الأمر بعض الحصرم الحامض يتدلى فيها. ويمر الوقت وتنضج تحت أشعة الشمس، ويصبح بحلاوة العسل. عندها ندعوه عنبا. وندوسهم بأرجلنا ونقطر عصيرها ونضعهم في براميل خشبية. فيختمورن من تلقاءهم. ونفتحها في عيد القديس يوحنا السكير ونجدهم قد أصبحوا نبيذا. إنها معجزة. وعندما تشرب هذا السائل الأحمر وينتفخ دماغك، وتشعر بأن روحك تكبر، تكبر على الهيكل العظمي القديم، وتتحدى الله للقتال، اخبرني أيها الرئيس كيف يتم كل هذا.
لم اجب شعرت وأنا أصغي لزوربا بأن العالم يتكشف من جديد: كل الأيام القاسية قد عادت لها حيويتها كما كانت في بداية التاريخ عندما خرجنا من بين يدي الله. الماء، النسوة، النجوم والخبز، كلها عادت المحير والدوامة الإلهية عادت لتدور في الجو من جديد.
لهذا، كنت كل مساء، أتمدد على الشاطىء بانتظار زوربا. فأراه يخرج بقوة من بطن الأرض بجسده المليء بالوحل والأقذار وخطواته الواسعة من بعيد، كنت أستطيع أن أشاهد كيف كانت نتيجة العمل اليوم، من طريقة سيره، من انتصاب رأسه عاليا أو انخفاضه ومن حركات يديه المتأرجحتان.
أول الأمر كنت أرافقه لأراقب العمال، كنت أجهد نفسي في محاولة لتغيير مجرى حياتي، لأشغل نفسي في حياة عمليه، لأعرف وأحب المادية الإنسانية التي وقعت بين يدي، لأختبر واشعر بالمتعة التي انتظرتها طويلا لا مجرد كلمات اقرأها أو أكتبها بل مع رجال على قيد الحياة.
ورسمت بعض الخطط الرومانتيكية، فيما لو نجح مشروع التنقيب عن الفحم. سوف انظم نوعا من المنظمات الاجتماعية حيث نشترك في كل شيء. وحيث سنأكل جميعنا نفس الطعام، ونرتدي نفس اللباس كأننا أخوة، وخلقت في رأسي أمرا دينيا جديدا، نواة لحياة جديدة.
ولكني لم أكن قد قررت بعد أن أفاتح زوربا بمشروعي، لقد كان ينزعج من ذهابي ومجيئي بين صفوف العمال. اسأل وأتدخل، ودائما لصالح العمال. عندها يقلب زوربا شفتيه قائلا:
- أيها الرئيس ألن تذهب في نزهة بعيدا من هنا. ألا ترى الشمس والبحر هناك؟
في بادىء الأمر كنت أصر على البقاء وأبقى، كنت أسأل وأثرثر، أردت أن اعلم قصة حياة كل رجل. كم من الأولاد لديهم يجب أن يعيلوهم وأخوات ليزوجوهم وأقرباء ليس لهم من معين. بماذا يهمتون، والأمراض وكل ما يقلقهم.
- لا تغوص هكذا في تاريخ حياتهم. أيها الرئيس، سوف تندفع نحوهم بقلبك الرقيق، وسوف تحبهم أكثر مما يجب لمصلحتك ومصلحتهم، ومهما سوف يفعلون ستخلق لهم الأعذار. عندها فلتساعدنا الآلهة، فسوف يهملون عملهم، ويقومون به بأي طريقة يريدونها، وعندها فليساعدنا الله أيضا. يجب أن تدرك هذا جيدا، عندما يكون الرئيس قاسيا عندها سيحترمونه العمال ويعملون بجد، وعندما يكون ناعما يتركون كل شيء عليه ويمضون وقتا طيبا، هل تفهم هذا؟
في إحدى الأمسيات، بعد انتهائه من العمل، رمى بمعوله في الظل وصاح قائلا بعد أن نفذ صبره:
- انظر هنا، توقف عن التدخل، بالسرعة نفسها التي ابني فيها أنت تهدم كل شيء... والآن ما هذا الذي كنت تتحدث عنه اليوم مع الرجال؟ اشتراكية وهراء؟ هل أنت واعظ أو رأسمالي؟ يجب أن تقرر...
ولكن كيف أستطيع أن اختار؟ لقد كنت أحاول جهدي أن اجمع بين هذين الشيئين. لأجد طريقة تجمع بين هذين التناقضين و لأنجح في الحصول على كل من الحياة في الأرض وملكوت السماوات، كان هذا يتعامل داخلي منذ سنوات حتى منذ الأيام الأولى لطفولتي. عندما كنت لا أزال في المدرسة. حيث كنت قد نظمت مع اقرب أصدقائي جمعية سرية تدعى " المجتمع الودي " هذا كان الاسم الذي أطلقناه عليها. وداخل غرفة نومي المغلقة أقسمنا اليمين لنكرس حياتنا من اجل محاربة الظلم. دموع غزيرة انهمرت فوق وجوهنا عندما اقسمنا اليمين و أيدينا فوق قلوبنا
مبادىء صبيانية! ولكن يا لتعاسة من يسخر منها عندما يسمعها، ولكن عندما شاهدت ما صار إليه أعضاء هذه المنظمة، من أطباء مدعون، ومحامون غشاشون، وأصحاب محلات، سياسيون دجالون وصحفيون خونة. غاص قلبي، إن مناخ هذه الأرض قد أصبح جلف وقاس، واثمن البذور لا تنمو وتختفي تحت الأرض وبين الشوك والقراص. أستطيع أن أرى بكل وضوح اليوم، بالنسبة لنفسي، لم أصبح معقولا بعد، ولكن ليتمجد اسم الرب، اشعر بأنني لا أزال مستعدا لأقوم ببعض المغامرات الدون كيشوتية.
كنا أيام الآحاد نحضر أنفسنا بكل عناية وكأننا شابين يحضران نفسيهما للزواج، ونحلق ونرتدي قمصانا بيضاء، ونتوجه بعد الظهر لرؤية السيدة هورانتس، كانت كل يوم أحد تذبح لنا طيرا، وكنا أكثر الأحيان نجلس ثلاثتنا لنأكل ونشرب، وتمتد يد زوربا إلى صدر السيدة المضياف ليمتلكه. وعندما يحل الليل نعود إلى شاطئنا. كانت الحياة تبدو بسيطة ومليئة بالنوايا الحسنة تماما كالسيدة هورانتس.
وذات أحد وبينما كنا عائدين من وليمتنا الممتعة، قررت أن اخبر زوربا بمشاريعي. أصغى إلي مجبرا نفسه، وضاغطا عليها ليكون صبورا كفاية. إلا انه من وقت لأخر كان يهز رأسه الضخم بغضب ظاهر... كلماتي الأولى جعلته يصحو من سكره... وطردت الخمرة من رأسه. وعندما انتهيت نزع بعصبية شعرة أو شعرتين من شاربه وقال:
- اعذرني لما سأقوله أيها الرئيس، و لكن لا أعتقد أن عقلك قد اكتمل بعد. كم تبلغ من العمر؟
- خمسة وثلاثون سنة.
- إذا فهو لن يكتمل أبدا.
وانفجر مقهقها، وشعرت بأني لسعت. وصحت به:
- ألا تؤمن بالإنسان؟
- والآن لا تندفع غاضبا أيها الرئيس! فأنا لا أؤمن بأي شيء، فلو كنت أؤمن بالإنسان لأمنت بالله و لكنت أمنت بالشيطان أيضا، وهذه هي كل المشكلة حيث تختلط الأشياء وتسبب لي كثيرا من التعقيد.
وخيم عليه الصمت، وانتزع قبعته وحك رأسه بقوة وشد شاربه كأنه يريد أن ينتزعه من مكانه. كان يريد أن يقول شيئا، إلا أنه منع نفسه ونظر إلي من زاوية عينه، ومن ثم نظر إلي ثانية وقرر أن يتكلم. وصاح ضاربا الأرض بعصاه بقسوة:
- الإنسان ليس إلا بهيمة. بهيمة كبيرة. إلا أن سعادتك لا تدرك هذا أبدا. إذ يبدو بان كل شيء كان سهلا بالنسبة لك. اسألني أنا فأجيبك بأنه بهيمة فإن كنت قاسيا معه سوف يخافك ويحترمك. وان كنت لطيفا معه فسوف ينتزع عيونك. احفظ المسافة بينك وبينهم، لا تجعل الرجال أقوياء هكذا. لا تمشي بينهم وتقول لهم بأننا كلنا متساوون. وان لنا نفس الحقوق، و إلا سوف يدوسون على حقوقك أنت. سوف يسرقون خبزك ويتركونك تموت من الجوع، احفظ مركزك أيها الرئيس من أجل الخير الذي أتمناه لك.
- ولكن ألا تؤمن بشيء؟
- كلا لا أؤمن بشيء بالمرة. كم مرة يجب أن أكرر هذا. فأنا لا أؤمن بأي شيء أو بأي شخص. بل بزوربا وحده، ليس لأن زوربا أحسن من غيره، كلا فهو بهيمة كغيره. ولكن لأن زوربا هو الوحيد الذي يقع تحت سلطتي، والوحيد الذي أعرفه. أما الباقون فكلهم أشباح، فانا أرى بهاتين العينين، واسمع بهاتين الأذنين، واهضم بهذه المعدة. كل الباقون أشباح أقول لك، عندما أموت، فسوف يموت كل شيء معي. كل العالم الزوربي سوف يغوص في الأعماق.
فقلت ساخرا:
- يا لها من أنانية!.
- لا أستطيع معها شيء. آكل فاصولياء فأتحدث عن الفاصولياء، أنا زوربا فأتحدث عن زوربا.
لم اقل شيئا. كلمات زوربا لسعتني كالسوط. لقد أدهشتني قوته، لاحتقاره الرجال إلى هذا الحد، وبنفس الوقت رغبته في العيش والعمل معهم، أما أنا فيجب إما أن أصبح ناسكا، أو أزخرف رؤوس الرجال بريش مزيف حتى أستطيع أن أتحملهم.
التفت زوربا نحوي، وتحت ضوء النجوم استطعت أن أرى ضحكة زوربا حتى أذنيه.
- هل أزعجتك أيها الرئيس؟
قال فجأة عندما وصلنا إلى الكوخ. نظر إلي زوربا بعطف وقلق، لم اجب، شعرت بأن عقلي يوافق زوربا إلا أن قلبي راح يقاوم، يريد الانطلاق والهروب من البهيمة، وليسير في طريقه الخاص. قلت:
- لا اشعر بالنعاس هذه الليلة، اذهب أنت لتنام.
كانت النجوم تلمع في السماء، والبحر كان يجعل الأصداف تتلألأ.
ولمعت إحدى الأصداف وأضاءت تحت منارتها الصدفية، حيث كان قطر الندى يقطر من شعر الليل الداكن.
تمددت على وجهي، مأخوذ بالسكون، دون أن أفكر بأي شيء، كنت وحيدا بين الليل والبحر، كان عقلي كأنه صدفة أضاءت منارتها واستقرت على ارض الشاطىء الداكنة وراحت تنتظر.
كانت النجوم تسافر وتدور، والساعات تمر، وعندما نهضت، كنت قد قررت، دون أن اعلم، الخطة المزدوجة التي يجب أن اتبعها على هذا الشاطىء:
أن اهرب من بوذا. واخلص نفسي من الكلمات الميتافيزيقية وأحرر نفسي من القلق الغير مجد.
أن أقوم باتصالات مباشرة مع الرجال وابتدأ من هذه اللحظة.
وقلت لنفسي " ربما لم يفت الأوان بعد.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://altajali.ahlamontada.com
 
رواية زوربا اليونانية الفصل الرابع و الأخير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رواية زوربا اليونانية الفصل الثاني
» رواية زوربا اليونانية الفصل اثالث
» رواية زوربا اليونانية
» رواية زوربا اليوناني الفصل الأول
» {..الفرصة الأخيرة لمقابلة لجنة تحكيم شاعر المليون في موسمه الرابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى التّجلي  :: الأولى :: منتدى الروايات العربية و العالمية-
انتقل الى: