حوارات معاصرة
بقلم:المستشار/ توفيق علي وهبة
التربية الاسلامية تشمل علاقة العبد بربه وعلاقته بنفسه وعلاقته بغيره من الناس. كما تشمل علاقته بكل المخلوقات بل وبالكون بأجمعه. ومباديء حقوق الانسان تندرج ضمن هذه العلاقات المتعددة.
وقد كفل الاسلام تلك الحقوق وحدد معالمها من قبل أن يولد الفرد وبعد ميلاده وخلال مسيرته في الحياة ــ وهي خاصة بكل انسان دون النظر الي لونه أو جنسه او عرقه أو وضعه الاجتماعي أو مركزه الوظيفي ــ فالجميع أمام الله سواء لقوله صلي الله عليه وسلم:
( يا أيها الناس ألا أن ربكم واحد وإن اباكم واحد ألا لافضل لعربي علي أعجمي ولا لعجمي علي عربي ولا لأحمر علي أسود ولا لأسود علي أحمر الا بالتقوي. الحديث) مسند أحمد رقم(22978).
فالدين الاسلامي هو الأصل في تقرير مباديء حقوق الإنسان وأن ما أعلنته الأمم المتحدة في الإعلان العالي الصادر عام1948 وفيما تلاه من اتفاقيات ومواثيق دولية من حقوق وحريات إلا نذر يسير مما قرره الإسلام, فقد سبق الإسلام العالم كله في هذا المجال بمئات السنين. وأصبحت الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي لحقوق الإنسان في كل زمان ومكان.
والأصل في خطة الاسلام في تقرير هذه الحقوق أنها عامة تخص كل إنسان علي وجه الأرض بحكم إنسانيته دون النظر إلي دينه أو معتقده أو جنسه أو لونه, فلا يجوز تقييدها أو التنازل عنها, بشرط ألا يؤدي ذلك إلي الاعتداء علي حق الغير.( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ان الله كان عليكم رقيبا)( النساء/1)
ولم يقصر الاسلام تلك الحقوق علي المسلمين فقط, بل تمتد لتشمل غير المسلمين في المجتمع الاسلامي وفي خارج ديار المسلمين.
فقد أباح الاسلام لغير المسلمين أن يعيشوا في كنف الدولة الاسلامية وأباح لهم ما يبيعه دينهم من طعام أو لباس أو غيره وأوصي بحسن معاملتهم وعدم التعدي عليهم, وترك حربة العبادة لهم, والمحافظة علي دور العبادة الخاصة بهم وعدم الاعتداء عليها, وقد حفظـ لنا التاريخ الاسلامي وقائع كثيرة تقنن وتشرع لهذه الحقوق منها:
أن الفاتحين المسلمين حافظوا علي دور العبادة اليهودية والنصرانية في فلسطين ومصر والشام.
وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفض الصلاة في كنيسة القيامة في القدس خوفا من أن يأتي بعده من يتعلل بصلاته فيها ويتعدي عليها أو يغتصبها لأي سبب من الأسباب.
ولم يجبر الفاتحون أهل البلاد المفتوحة علي دخول الاسلام بل تركوا لهم حرية الاعتقاد( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)( الكهف/29)
قال تعالي
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)( الحجرات/19)
وأمر بحسن معاملتهم فقال تعالي:
(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)( الممتحنة/
وأحل للمسلمين طعام أهل الكتاب والزواج من نسائهم قال تعالي
اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهم أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان)( المائدة/5)
وأوصي صلي الله عليه وعلي آله وسلم قواده بوصايا مهمة بعدم التعدي علي المدنيين وغير المقاتلين ونهاهم التخريب.
فقد كتب أبوبكر الصديق إلي خالد بن الوليد رضي الله عنهما: أعلم ان عليك عيونا من الله ترعاك, فإذا لقيت لعدو فاحرص علي الموت توهب لك السلامة, ولا تغسل الشهداء من دمائهم فإن دم الشهيد يكون نورا له يوم القيامة.
ولعمر بن الخطاب رضي الله عنه وصية
ومن وصايا رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم ووصايا لخلفاؤه الراشدين رضي الله عنهم نستنبط قواعد معاملة المدنيين وغير المحاربين فيما يلي:
1 ــ لا يباح قتل من لا يقاتل ومن لا يشترك في الحرب وقصرها علي الميدان لا يتجاوزه ولا يعتدي علي الحرية الدينية:
2 ــ لا يحل قتل رجال الدين الذين ينقطعون للعبادة في أماكن عبادتهم أما الذين يشتركون في الحرب فيحل قتلهم.
3 ــ منع قتل الصبيان والنساء والعجائز فقد بلغ النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم أن جنده قتلوا بعض الصبية فجمعهم صلي الله عليه وعلي آله وسلم وخطبهم قائلا: ما بال أقوام تجاوز بهم القتل حتي قتلوا الذرية. لا تقتلوا الذرية.. ألا لا تقتلوا الذرية.. ألا لا تقتلوا الذرية. أما الشيوخ الذين يحاربون أو يساعدون المحاربين بآرائهم فيحل قتالهم.
4 ــ لا يجوز قتل العمال بشرط ألا يشتركوا في الحرب أو يخططوا لها, وأن ينحصر عملهم في أعمالهم.
5 ــ لا يباح التخريب إذا لم تكن هناك ضرورة حربية أما إذا كانت هناك ضرورة حربية كأن يتخذ العدو من البناء حصونا للاختباء فيها فيصح تخريبها.
تلك هي تعاليم الاسلام في معاملة المدنيين وغير المحاربين.
أما بالنسبة لمعاملة الأسري فقد جعل الاسلام لهم حقوقا من حيث إطعامهم ورعايتهم
قال تعالي:
(ويطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيرا(
إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا)( الانسان/9)
فالإسلام يعاملهم معاملة إنسانية فهو يحتجزهم إلي أن تنتهي الحرب حتي لا يقاتلوا في صفوف الاعداء وبعدها إما أن يمن عليهم بالعفو أو يأخذ منهم الفدية.
فالإسلام يدعو إلي المحافظة علي كرامة الإنسان وعدم أهانته أو إذلاله وإهدار آدميته سواء أكان هذا الانسان مسلما أو غير مسلم, ولم يفرق الاسلام بين معاملة الناس بشكل عام دون تفريق.
عدد اليوم من جريدة الأهرام