أقوام الجن تهاب الإمام علي بن أبي طالب
إن الجن قَد سمعوا بدعوة النبي ، ومنهم من آمن بالإسلام و اهتدى إلى الإيمان لأنهم أقوام مثلنا خلقهم الله من مارج من النار و يعيشون معنا على الأرض و لكنّنا لا نراهم و لا نشعر بهم إلاّ نادراً لمن كشف الله عن بصره و بصيرته و في سورة الجن في القرآن تأكيد على أن الجن قد استمعوا إلى القرآن عندما كان رسول الله قائماً يصلي و يقرأ بعض الآيات ، فأخذ بألبابهم هذا البيان الإلهي المعجز الذّي يَهديهم إلى الرشاد و الفلاح فَمنهم من آمن و منهم من بقي على ضلاله ... و في كتاب هواتف الجنان للخرائطي أخبار كثيرة عن الجن و عالمهم و أشكالهم و معيشتهم و أسمائهم ... و في هذه القصة التي يرويها عن بعض الصحابة يطلعنا على خبر إيمانهم و إسلامهم ، و كيفَ أوفد رسول الله علياً بن أبي طالب ليشرح لهم الإسلام و يَهديهم إلى طريق الحق و الهدى و الرشاد .. و بغض النظر عن ضعفها أو صحتها أو درجة قبولها عند العلماء فإن فيها من العبرة ما يُطمئننا على الاعتقاد بوجود الجن أو مخلوقات أخرى تَعيش بيننا و لا نراها أو نشعر بها إلاَّ من وفقه الله منا إلى كشف رؤيتها و معاينتها و سبر أغوار عوالمها عن كثب ، طالما أن النبي الأعظم كان يراها و يكلم بَعضهم و يَتشكلون له و يأتون إليه على هيئة الرجال الآدميين و يَستفتونه عن أمور الدين و الشريعة على رؤيا من أعين الصحابة ، كما أخبر النبي في أحاديث كثيرة عن فضل عدد من الصحابة كانت الجن تخاف منهم و يهابونهم و يهربون من طريقِهِمْ ، و ليس أولى بِهذِهِ الفضيلة و الكرامة من أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، و إليكم الآن القصة كما أوردها الخرائطي في كتابه ، و نترك التعليق للقراء و للزوار الأعزاء ...
حدثنا عبد الله بن محمد البلوي، قال: ثنا عمارة بن زيد، قال: حدثني أبو البَخْتَرَي وهب
بن وهب، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن يحيى ابن عبد الله بن الحارث، عن أبيه،
قال: حدثني سلمان الفارسي، قال:
كُنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده في يوم مطير، ذي سحائب ورياح، ونحن
ملتفُّون حوله، فسمعنا صوتاً لا نرى شخصه، وهو يقول: السلامُ عليك يا رسول الله. فَرَّد
عليك السلام، وقال: ردَّوا على أخيكم السلام قال: فرددنا عليه. فقال رسول الله صلَّى
الله عليه وسلمَّ: من أنت؟ قال: أنا عُرفُطة، أظهر لنا "رحمك الله" في صورتك. قال
سلمان: فظهر لنا شيخٌ أَزَبُّ أشعر، قد لبس وجهه شعر غليظ متكاثف قد واراه، وإذا
عيناه مشقوقتان طولاً، وله فم في صدره، فيه أنياب بادية طوال، وإذا له في موضع الأظفار
من يديه مخالب كمخالب السباع، فلما رأيناه اقشعرَّت جلودنا، ودنونا من النبيِّ صلّى الله
عليه وسلَّم.
فقال الشيخ: يا نبيّ الله. أبعث معي من يدعوا جماعة قومي إلى الإسلام، وأنا أردُّهُ إليك
سالما إن شاء الله.
فقال رسول الله، صلّى الله عليه وسلَّم لأصحابه، أيُّكم يقومُ فيبلِّغُ الجنَّ عنِّي وله عليَّ
الجنَّة. فما قام أحد.
وقال الثانية والثالثة، فما قام أحد.
فقال عليٌّ كرم الله وجهه: أنا يا رسول الله.
فالتفت النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الشيخ، فقال: وافِني إلى الحرَّة، في هذه الليلة، أبعثُ
معك رجلاً، يفصل بحكمي، وينطق بلساني، ويبلَّغ الجنّ عنّي. قال سلمان: فغاب الشيخ،
وأقمنا يومنا، فلما صلَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم العشاء الآخرة، وانصرف الناس من
المسجد، قال: يا سلمان سر معي. فخرجت معه، وعليٌّ بين يديه، حتى أتينا الحرَّة.
فإذا الشيخ على بعير كالشاة، وإذا بعير آخر على ارتفاع الفرس، فحمل عليه رسول الله
صلَّى الله عليه وسلَّم عليّاً، وحملني خلفه، وشدَّ وسطي إلى وسطه بعمامة، وعصَّب
عينيَّ؛ وقال: يا سلمان لا تفتحنَّ عينيك حتى تسمع عليّاً يؤذِّن، ولا يروعك ما تسمع، فإنك
آمن إن شاء الله. ثم أوصى عليّاً بما أحبَّ أن يوصيه، ثم قال: سيروا، ولا قوَّة إلاَّ بالله.
فثار البعير سائراً يدفُّ كدفيف النعام، وعليٌّ يتلو القرآن؛ فسرنا ليلتنا حتى إذا طلع الفجر
أذَّنَ عليٌّ، وأناخ البعير، وقال: انزل يا سلمان. فحللت عينيَّ ونزلت، فإذا أرض قوراء، لا
ماء ولا شجر، ولا عود ولا حجر، فلمَّا بأن الفجر أقام عليٌّ الصلاة وتقدَّم وصلَّى بنا أنا
والشيخ. ولا أزال أسمع الحسَّ حتى إذا سلَّم عليٌّ التفت، فإذا خلق عظيم، لا يُسمعهم إلاَّ
الخطيب الصَّيِّت الجهير، فأقام عليٌّ يسبِّح ربَّه، حتى طلعت الشمس، ثم قام فيهم خطيباً،
فخطبهم، فاعترضه منهم مَرَدَةٌ، فأقبل عليٌّ عليهم، فقال: أبالحقِّ تكذِّبون، وعن القرآن
تصدفون، وبآيات الله تجحدون؟
ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: بالكلمة العظمى، والأسماء الحسنى، والعزائم الكبرى،
والحيِّ القيّوم، محيي الموتى، وربِّ الأرض والسماء؛ يا حَرَسَة الجنِّ، ورَصَدَة الشياطين،
خُدَّام الله الشرهباليين، ذوي الأرواح الطاهرة.
اهبطوا بالجمرة التي لا تطفأ، والشهاب الثاقب، والشواظ المحرق، والنحاس القاتل، بآلمص،
والذاريات، وكهيعص، والطواسين، ويس، و(ن والقلم وما يسطرون) (والنجم إذا هوى)
(والطور وكتاب مسطورٍ في رَقٍّ منشورٍ والبيت المعمور) والأقسام والأحكام، ومواقع
النجوم؛ لما أسرعتم الانحدار إلى المَرَدةِ المتولِّعين المتكبرين، الجاحدين لآيات ربِّ العالمين.
قال سلمان: فحسستُ الأرض من تحتي ترتعد، ثم نزلت نار من السماء صَعِقَ لها كلُّ مَن
رآها من الجن، وخرَّت على وجوهها مغشيّاً عليها، وخررتُ أنا على وجهي، ثم أفقت
فإذا دخان يفور من الأرض يحول بيني وبين النظر إلى عَبَثَة المردة من الجن، فأقام الدخان
طويلاً بالأرض.
قال سلمان: فصاح بهم عليّ: ارفعوا رؤوسكم: فقد أهلك الله الظالمين، ثم عاد إلى
خطبته، فقال: يا معشر الجنِّ والشياطين والغيلان، وبني شمراخ وآل نجاح، وسكان الآجام
والرمال، والأقفار، وجميع شياطين البلدان:
اعلموا أن الأرض قد مُلئت عدلاً، كما كانت مملوءة جوراً. هذا هو الحقُّ (فماذا بعد
الحقِّ إلاَّ الضلال فأنى تُصرفون).
قال سلمان: فعجبت الجنُّ لعلمه، وانقادوا مذعنين له، وقالوا: أمنّا بالله وبرسوله، وبرسول
رسوله، لا نكذِّب وأنت الصادق والمصدَّق.
قال سلمان: فانصرفنا في الليل على البعير الذي كنّا عليه، وشدَّ علٌّ وسطي إلى وسطه،
وقال: اعصب عينيك، واذكر الله في نفسك.
وسرنا يدفُّ بنا البعير دفيفاً، والشيخ الذي قدم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
أمامنا، حتى قدمنا الحرَّة، وذلك قبل طلوع الفجر، فنزل عليٌّ ونزلت، وسَرَّح البعير فمضى،
ودخلنا المدينة فصلينا الغداة مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فلمَّا سلَّم رآنا، فقال لعليٍّ:
كيف رأيت القوم؟ قال: أجابوا وأذعنوا. وقصَّ عليه خبرهم. فقال رسول الله: أما إنهم لا يزالون لك هائبين إلى يوم القيامة.
[color=red][/color]